عَلَى النَّاسِ في صدد يوم القيامة، حيث يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم شهيدا على المسلمين بأنه بلّغهم رسالة ربّه وحيث يكونون هم شهداء على الناس بدورهم بأنهم بلّغوها إليهم لأنه الدين الذي ارتضاه الله للبشرية على يد خاتم أنبيائه. ومع وجاهة هذا القول من الناحية الموضوعية، فالذي يتبادر لنا أنها تلهم أيضا كون المسلمين الذين اجتباهم الله وهداهم إلى ذلك الدين قد تأهلوا بنوره ومبادئه وروحانيته وتلقيناته وتشريعاته ليكونوا شهداء على الناس بصفة هداة ومرشدين. وجملة وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ التي تبتدئ بها الآية التي فيها الجملة وكلمة هُوَ اجْتَباكُمْ من القرائن القوية على ذلك. ولقد جاءت هذه الجملة في آية سورة البقرة هذه:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [١٤٣] وكلمة وسط بمعنى العدول والخيار والمتّصف بالاعتدال وعدم الغلوّ والتفريط والإفراط في كل أمر. وهي في هذه الجملة تبرّر جعل المسلمين شهداء على الناس في مقام هُوَ اجْتَباكُمْ في جملة سورة الحجّ. وهذا الوصف أو هذا التبرير قرينة على أن لهم مهمّة في الدنيا وهي إرشاد الناس وهدايتهم أيضا.
وتعبير أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ قد قصد به العرب ولا يمكن أن ينصرف إلى غيرهم حيث كانوا يتناقلون ويعرفون نسبتهم بالأبوة إلى إبراهيم وإسماعيل على ما شرحناه في مناسبات سابقة شرحا يغني عن التكرار. ولقد جاء هذا في آيات سورة إبراهيم [٣٥- ٤١] التي مرّ تفسيرها قوي الدلالة، ثم جاء في هذه الآيات بهذه الصراحة الحاسمة.
وفي سورة البقرة آيات قوية الدلالة والحسم وهي: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩) وذكر إسماعيل مع إبراهيم مانع لانصراف كلمة الذريّة هنا إلى بني إسرائيل لأنهم ليسوا من ذريّة إسماعيل عليهم السلام.