على الناس وهداة لهم بدورهم. وصاروا مطالبين بأن يجاهدوا في الله حقّ جهاده.
ومع أن هناك من روى عن أهل التأويل أن جملة وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ ما عنت الجهاد الحربي في سبيل الله. فإن هناك من قال إنها عنت بذل الجهد واستفراغ الطاقة في نشر دين الله ومجاهدة النفس. وهناك من قال إنها بمعنى بذل كل جهد في سبيل الله بدون أدنى خوف من أي شيء. ومكية الآية تجعل التأويل الثاني هو الأوجه. وسبيل الله أشمل من الجهاد الحربي وهي الدعوة الإسلامية على ما جاء في آيات عديدة مرّ بعضها مثل آية سورة النحل [١٢٥] وفي القرآن المكيّ بخاصة آيات عديدة وردت فيها كلمة الجهاد في غير معنى الحرب مرّت أمثلة منها مثل آية سورة الفرقان [٥٢] ومثل آية سورة العنكبوت [٦٩] . ولقد اختلفت أقوال أهل التأويل من التابعين التي يرويها المفسرون في مرجع ضمير الفاعل في سَمَّاكُمُ فمنهم من قال إنه إبراهيم ومنهم من قال إنه (الله) ونحن نرى القول الثاني هو الأوجه بقرينة وَفِي هذا فإن هذا التعبير مصروف إلى القرآن والحال الحضر ولا علاقة لإبراهيم بذلك. وهذا ما رجّحه الطبري الذي قال إنه لا وجه للقول الأول لأنه معلوم أن إبراهيم لم يسمّ أمة محمد مسلمين في القرآن لأن القرآن أنزل بعده بدهر طويل وإن الذي سمّاهم المسلمين هو الله تعالى في القرآن وفي غيره من كتبه السابقة. وعلى هذا فتكون تسميته الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم واتبعوه بالمسلمين هي تسمية قرآنية ربانية. وقد خوطبوا بها في آيات قرآنية عديدة أيضا مثل آية الزخرف هذه: الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) وآية النحل هذه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وآية سورة الزمر هذه: وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) وآية سورة فصلت هذه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وآية سورة القلم هذه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) فمن المحتمل أن يكون تعبير مِنْ قَبْلُ يعني السور التي نزلت قبل هذه السورة والله أعلم.