ومما يصح أن يذكر في صدد ذلك باب التوبة الذي فتحه الله على مصراعيه لكلّ الناس وفي كلّ حال على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان. ثم تحليل الأطعمة المحرّمة عند الاضطرار والرخص الكثيرة المتنوعة كالتيمّم وصلاة الخوف وتحلّة اليمين. ثم إباحة الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق. وحصر المحظورات في الخبائث والفواحش والبغي والشرك والمنكرات من الأخلاق الشخصية والاجتماعية وإباحة كل عمل وتصرف للمسلم خارجا عن هذا النطاق. وقد أشير إلى ذلك في آيات سورة الأعراف [٣١- ٣٣ و ٤٢] وعلّقنا عليه تعليقا يغني عن التكرار. ولقد أراد فريق من المؤمنين المخلصين نبذ الطيبات التي أحلّها الله زهدا وتورّعا وتقرّبا إلى الله فنهاهم الله عن ذلك في آيات سورة المائدة هذه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) وقد كانوا تعاهدوا فيما بينهم وحلفوا فأنزل الله هذه الآية لإخراجهم من عهدة يمين حلفوها بتحريم ما أحلّ الله على أنفسهم ولو كان تورّعا وزهدا: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) وفي سورة البقرة آية قررت أن الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها وأن الإنسان لا يسأل إلّا عمّا صدر منه فعلا. وعلّمت المسلمين الدعاء لله بعدم مؤاخذتهم بما يصدر عنهم من عمل مغاير لما أمر به بسائق النسيان والخطأ، وبعدم تكليفهم تكاليف شديدة وإلزامهم بإلزامات محرجة كما كان شأن الذين من قبلهم وبعدم تحميلهم فوق طاقتهم وهي