(٣) نحاس: ذكر الطبري أن العرب تسمي الدخان نحاسا بكسر النون. وذكر احتمال أن يكون المعدن المعروف الذي كان يسمى صفرا. وروى البغوي عن قتادة أن المقصود هو النحاس المذاب وهذا إنما يكون من شدّة الحرارة.
وهذه المقاطع فصل جديد آخر، ولكنه غير منقطع عن الفصول السابقة والسياق السابق. فالثقلان هما الإنس والجنّ. والسؤال في اللازمة موجه إلى المكذبين منهما. وقد وجّه الخطاب في الآيات إليهما مباشرة. واحتوت وعيدا وتحدّيا للمكذّبين منهما. فلسوف يفرغ الله لحسابهم على أعمالهم. ولن يستطيعوا أن ينجوا من قبضته ويهربوا من نطاق سلطانه من أي ناحية في السموات والأرض، ولن تتيسر لأحد النجاة إلّا ببرهان أي بإذن من الله تعالى وحجّة مقبولة عنده. وهي الإيمان والعمل الصالح كما هو المتبادر. ولسوف يرشقون بشواظ من النيران والمذاب من النحاس الحارّ فيغلبون أمام الله ويخذلون، ولا ينتصرون ولا يكون لهم أي غلبة ومخلّص.
ولقد اقتضت حكمة التنزيل أن تكون معظم أوصاف النعم والعذاب الأخرويين مستمدة من مألوفات الدنيا على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
والراجح أن الرشق بالنار والنحاس المذاب من هذا الباب. حيث يصحّ القول والحالة هذه أن العرب كانوا يعرفون أو يسمعون بأن ذلك من وسائل الحرب الشديدة. ولعلّها مما كان يعرف بالنار اليونانية ومواد القذف النارية الأخرى.
وتعبير سَنَفْرُغُ لَكُمْ تعبير أسلوبي كما هو المتبادر. فالله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن حتى يصحّ في حقه معنى الشغل والتفرّغ والفراغ. والمقصود منه كما قلنا الإنذار والتهديد بأن الله سوف يحاسبهم ويجزيهم بما يستحقون.