معتدل لا برد ولا حرّ. وقد ظللتهم الأشجار ودنت منهم قطوفها. ولسوف يطاف عليهم بأوان وأكواب من فضة غاية في الرقة والصفاء كأنها الزجاج. ولسوف يسقون فيها شرابا مزيجا بالكافور من عين غاية في السلاسة والروقان سميت من أجل ذلك بالسلسبيل. ولسوف يقوم بخدمتهم غلمان كاللؤلؤ جمالا لا يعتريهم تبدّل. ولسوف يلبسون ثيابا من حرير أخضر ويحلّون من الأساور الفضية، وفي الجملة حينما ينظر إليهم الناظر يندهش لما يراهم فيه من الملك الكبير والنعيم العظيم. ولسوف يقال لهم إن كل هذا كان لكم جزاء لأعمالكم وسعيكم المشكور.
والوصف أخّاذ رائع من شأنه أن يشيع في النفوس كل مشاعر السرور والانجذاب والطمأنينة والرضى والرغبة، وهو ما استهدفته الآيات فيما استهدفته سواء في السابقين الأولين من المؤمنين أم فيمن يسير على هداهم. وفيها حثّ وترغيب على ذلك بطبيعة الحال.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية [٢٠] حديثا رواه ابن عمر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه» . حيث ينطوي في الحديث توضيح لجانب من الجوانب التي نوّه الله بها في الآيات من الملك العظيم الذي سوف ينعم به المؤمنون الذين يفعلون تلك الأفعال متساوق في تلقينه وتبشيره مع التلقين والتبشير القرآنيين.
وهناك أحاديث عديدة أخرى مرّت أمثلة كثيرة منها في وصف الجنة وصفا أخّاذا متساوقا مع ما احتواه القرآن من وصف أخّاذ ومنطويا على ما انطوى في الوصف القرآني في جملة ما انطوى فيه من تلقين وتبشير.
هذا، والمتبادر أن الأوصاف والمواد التي ذكرت في الآيات هي مما يعرفه السامعون كالقوارير والزجاج والفضة والأواني الفضيّة والأكواب والكؤوس الزجاجية والبلورية والزنجبيل ومزجه بالشراب وثياب الحرير الأخضر المعروف بالسندس والإستبرق. وقد يكون في ذلك دلالة على أن بعض فئات من أهل مكة وأغنيائها كانوا يجلبون هذه المواد من البلاد التي تصنعها ويستعملونها.