والذين يؤمنون بما أنزل الله على النبي صلّى الله عليه وسلّم وبما أنزل كذلك على الأنبياء من قبله، والذين يوقنون بالحياة الآخرة وحسابها وجزائها. فهم السائرون في سبيل الله القويم وعلى هداه، وأنهم لهم الناجون الفائزون.
والآيات احتوت بيان الصفات التي يجب أن تتحقق في المؤمن الصالح وبشرى وتنويها لمن يتصف بها. وقد انطوت- كما هو المتبادر- على التنويه بالذين كانوا يؤمنون بالله ورسوله حين نزوله. وانطوت إلى هذا على تقرير كون كتاب الله إنما هو هدى لذوي النيات الحسنة الذين يراقبون الله ويتّقونه ويرغبون في رضائه.
وما تقرره هذه الآيات قد تكرر في الآيات المكية، غير أنه جاء هنا قويا محبوكا.
ولقد رجحنا في مقدمة السورة أن هذه السورة اعتبرت أولى سور القرآن نزولا لأن فصلها الأول هو أول القرآن المدني نزولا. وبدء هذا الفصل بالحروف المتقطعة يدل على أن هذه الآيات هي مطلع السورة، وتكون- والحالة هذه- أولى الآيات نزولا في المدينة والله أعلم.
وتعليقا على جملة: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ نقول إن الله أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين في آية سورة الشورى [١٥] وآية سورة العنكبوت [٤٥] بإعلان إيمانهم بما أنزل الله من كتاب فجاءت هذه الجملة لتقرر اتباع المؤمنين لهذا الأمر واتصاف المؤمن به.
ولقد بينا ما ينبغي أن تكون عليه العقيدة الإسلامية المنطوية في هذا الأمر بالنسبة للكتب المتداولة اليوم بين أيدي الكتابيين من نصارى ويهود في سياق تفسير سورتي الشورى والعنكبوت فلم نر ضرورة للإعادة أو الزيادة.
ولقد روى الطبري وغيره عن بعض أهل التأويل أن جملة وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ عنت مؤمني أهل الكتاب. غير أن هناك مؤولين كثيرين قالوا إنها عنت المؤمنين بالرسالة المحمدية إطلاقا لأنهم أمروا بالإيمان