للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توكيده وقطع ما أمر الله به أن يوصل والفساد في الأرض، ومن كان هذا شأنه فهو الخاسر الخائب حقا.

وفي الآيتين الأخيرتين: تعقيب تنديدي بالكفار في صيغة التساؤل الإنكاري عن جرأتهم على الكفر بالله وانحرافهم عن سبيله، وهو الذي أحياهم بعد أن كانوا أمواتا ثم يميتهم ثم يحييهم، وإليه مرجعهم في النهاية. كما أنه هو الذي خلق لهم ما في الأرض جميعا لينتفعوا به ويتمتعوا، وهو الذي استوى بعد خلق الأرض إلى السماء فسواهن سبع سموات، وهو العليم بكل شيء.

وجمهور المؤولين الذين يروي الطبري وغيره أقوالهم على أن جملة وَكُنْتُمْ أَمْواتاً هي بمعنى كنتم عدما أو لا شيء، وهو تأويل وجيه.

ولقد روى المفسرون «١» عزوا إلى ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتابعين روايتين كسبب لنزول الآية الأولى. واحدة تذكر أن الله لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت والنمل قال المشركون أو قال اليهود والمشركون معا: ماذا أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة، وإنه أجل من أن يضرب بها الأمثال. والثانية جاء فيها أن الله لما ضرب المثلين اللذين وردا في الآيات السابقة أي مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وكَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ للمنافقين قال المنافقون: الله أعلى وأجل من ضرب هذه الأمثال.

والمتبادر أن الرواية الثانية هي الأكثر مناسبة للمقام ولا يرد على هذا كون المنافقين لم يذكروا وإنما ذكر الَّذِينَ كَفَرُوا فوصف المنافق المتفق عليه هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر. وقد نعتهم القرآن بالكفر في آيات عديدة على ما ذكرناه في التعليق السابق عنهم. ولما كانت الآيات الثلاث منسجمة مع الآية الأولى موضوعا وهدفا، فالمتبادر كذلك أنها نزلت معا، وأن الآية الأولى لم تنزل لحدتها. وعلى ضوء هذه الرواية تبدو الصلة بين هذه الآيات وما قبلها واضحة.

ومن المحتمل أن تكون نزلت بعدها بسبيل الرد والتنديد بالكفار لاعتراضهم


(١) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>