ولم يعودوا يستحقون كيهود المصير المذكور في الآية إلّا إذا لم يكونوا مرتكبين المنكرات المعزوة إلى بني إسرائيل قديما وحديثا وماتوا كذلك قبل عيسى ثانيا وكون النصارى بعد بعثة النبي محمد يعتبرون كفارا إذ ظلوا يجحدون رسالته ولا يستحقون ذلك المصير كنصارى حتى لو لم يكونوا ممن سجل القرآن عليهم الكفر بقولهم إن الله هو المسيح ابن مريم أو إن الله ثالث ثلاثة أو إن المسيح هو ابن الله على ما تفيده آيات عديدة منها آيات سورة النساء هذه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) . ويقال هذا بالنسبة لليهود الذين بقوا على يهوديتهم بعد عيسى ثم بقوا عليها بعد بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم بطبيعة الحال.
ومثل هذا كله يقال بالنسبة للصابئين الذين لم يؤمنوا برسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم ولو كانوا متصفين بما وصفوا به في الآية.
ولقد قال السيد رشيد رضا: إن الآية بمنزلة الاستثناء من حكم الآية السابقة لها لكل من اتصف بما جاء فيها. وقال ابن كثير: إن الله تعالى لما بيّن حال من خالف أوامره وارتكب زواجره نبّه على أن من أحسن من الأمم السابقة وأطاع فإن له الجزاء الحسن. وكلا القولين وجيه ووارد ويفيد أن من جهة أن الآية جاءت بمثابة استطراد واستثناء وهذا مألوف في النظم القرآني وقد يكون سؤال ما ورد على النبي صلّى الله عليه وسلّم من سلمان الفارسي بعد نزول الآية فتلاها النبي صلّى الله عليه وسلّم كجواب على السؤال الذي فيه سؤال عن حالة أناس صالحين من النصارى لم يدركوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فالتبس الأمر على الرواة وظنوا أنها نزلت لحدتها جوابا على السؤال. وهذا يجعلنا نرجح أن الآية في صدد بيان حالة اليهود الصالحين قبل بعثة عيسى وحالة النصارى الصالحين قبل بعثة محمد وحالة الصابئين قبل بعثة محمد كذلك والقرآن يتمم بعضه بعضا. ولما كان قد دعا جميع الناس بما فيهم اليهود والنصارى والصابئين