ومرشدهم الأعظم وقائدهم المطاع فاستشعروا- حقا أو باطلا- بالخطر العظيم يحدق بمركزهم وامتيازاتهم ومصالحهم فاندفعوا في خطة التنكر والحقد والتامر والصدّ والتعطيل والتحالف مع المنافقين ثم مع مشركي العرب إلى نهايتها.
ولقد كان من المتوقع على ما تلهمه آيات عديدة مكية ومدنية أن يجد النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليهود سندا وعضدا وأن يكونوا أول من يؤمن به ويصدقه ويلتف حوله لما كان بين دعوته وأسس دينهم من وحدة، ولما احتواه القرآن من تقريرات متنوعة وكثيرة بأنه مصدق لما بين يديه وبأنه محتو حلّ المشاكل والخلافات التي يتعثر فيها الكتابيون وهم منهم باستشهاد الكتابيين على صحة رسالته استشهادا ينطوي على الثقة فيهم والتنويه بهم، ولما رآه من حسن استجابة الكتابيين وفيهم أناس من بني إسرائيل إلى دعوته واندماجهم فيها ووقوفهم منها موقف المصدق المؤمن المؤيد على ما احتوته آيات مكية عديدة أوردناها في مناسبات عديدة سابقة فلما رأى منهم ما رآه من الانقباض أولا والتنكر والصد وكتم الحق عن علم والتحالف مع الأعداء والدسائس والتشكيك تأثر تأثرا عميقا من خيبة أمله فيهم فرددته هذه الآيات وكثير غيرها في الحلقات السابقة والآتية.
وهذا القول يصدق على معظم اليهود، لأن هناك آيات مدنية ومكية تفيد أن بعضهم- ومنهم علماء راسخون في العلم- قد استطاعوا أن يتغلبوا على مآربهم وأحقادهم فيؤمنوا بالرسالة المحمدية التي عرفوا أنها حق ويصدقوا بالقرآن الذي عرفوا أنه من عند الله على ما جاء في آيات سورة آل عمران هذه: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وآية سورة آل عمران هذه: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) ، وآية سورة النساء هذه: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ