نزول الآية الأولى روايات عديدة منها أن اليهود سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن السحر وجادلوه وزعموا أن كتب السحر مروية عن سليمان. ومنها أنهم لما سمعوا النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر أن سليمان من أنبياء الله تعجبوا وأنكروا وقالوا ما كان سليمان إلا ساحرا وأنه كان يضبط الإنس والجن والريح. والروايات طويلة، وما تقدم خلاصة لها وليس شيء من الروايات واردا في كتب الصحاح، ويلحظ أن الآية الأولى لم تقتصر على نسبة السحر إلى سليمان وأن الآية الثانية منسجمة مع الأولى وأن الآيتين بسبيل التنديد باليهود لأنهم اتبعوا ما تتلوه الشياطين من السحر ونسبوه إلى سليمان، واتبعوا كذلك أعمال السحر التي يعلمها هاروت وماروت. وهذا ما يجعلنا نتوقف في الروايات كسبب لنزول الآية ونرجح أن الآيتين استمرار في حكاية أفعال اليهود وانحرافاتهم والتنديد بهم، ويجوز أن تكونا نزلتا لحدتهما كحلقة جديدة، ويجوز أن تكونا نزلتا مع الآيات السابقة ونحن نرجح هذا وقد تضمنت الآيتان تقرير كون اليهود لم يقفوا عند نقض كل عهد، وعند نبذ كتاب الله وجحود رسالة رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي جاء مصدقا لما معهم مع معرفتهم صدقه، بل اتبعوا ما كانت الشياطين يتلونه منذ عهد سليمان وأقوالهم وأفعالهم المأثورة التي كانوا يعلمون بها السحر. ونسبوا ذلك إلى سليمان كذبا فنسبوا بذلك إليه الكفر لأن أعمال السحر من الكفر. واتبعوا كذلك ما يتلو الملكان هاروت وماروت في بابل اللذان كانا يعلمان الناس السحر أيضا واللذان كانا مع ذلك لا يعلمان أحدا إلا بعد أن يقولا له إننا أو إن ما نعلمه فتنة وامتحان ويحذراه من الكفر ثم يتعلم منهما بعض الأعمال السحرية التي منها ما يفرق بين المرء وزوجه والتي تضرّ المتعلمين ولا تنفعهم والتي لا تضرّ مع ذلك أحدا إلا بإذن الله.
فاليهود اتبعوا ما يتلو الشياطين وهاروت وماروت وهم يعلمون أن الذي يسير في مثل هذه الطرق والأساليب مستحق لخزي الله وعذابه ومحروم من رضائه في الآخرة. ولبئس ما باعوا به أنفسهم. في حين أنهم لو آمنوا وصدقوا برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأيدوا الحق واتقوا الله في أعمالهم وأقوالهم ومواقفهم لكان ذلك خيرا ووسيلة قربى وثواب لهم عند الله.