حديد في قليب مملوءة نارا. وهناك رواية تذكر أن الذي أمر بحبسهما وعذابهما في بابل هو سليمان. وبعض الصيغ أن الملائكة لما اعترضوا قال لهم الله إنه ركّب في بني آدم الشهوات فيها يقعون في الآثام فقالوا لو ركّبتها فينا لما وقعنا فيها فركّبها في اثنين منهما هما هاروت وماروت وأهبطهما إلى الأرض فأثما مع المرأة وارتكبا الآثام الأخرى.
وهناك حديث طويل يرويه ابن كثير عن عائشة جاء فيه: أن امرأة من أهل دومة الجندل جاءت إليها عقب وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانت تريد أن تقصّ عليه أمرها وتستعتبه. فقصّته عليها وهي تبكي خائفة أن تكون أثمت وخلاصته أن زوجها غاب عنها فذهبت إلى عجوز ساحرة لتعيده إليها فأركبتها كلبا أسود وركبت مثله فلم تلبثا أن وصلتا إلى بابل ورأتا هاروت وماروت معلّقين من أرجلهما وطلبت منهما أن يعلّماها السحر فقالا لها إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي فأبت وظلّت تلحّ عليهما حتى علّماها بعض أعمال السحر حيث جعلاها تبذر حبا فينضج فتحصده فتطحنه فتخبزه في يوم واحد.
وليس شيء من هذه الأحاديث والروايات التي اكتفينا بما أوردناه منها- لأنها متماثلة- واردا في الصحاح وفيها ما هو ظاهر من الغرائب التي توجب التحفظ والتوقف. والصيغ الأولى لا تنطبق على فحوى الآية حيث لا تذكر تعليم هاروت وماروت السحر للناس والتلفيق في الصيغة الأخيرة واضح. ولقد أورد ابن كثير الذي لخصنا عنه الروايات قولا عن سالم بن عبد الله بن عمر جاء فيه أن المروي عن أبيه ليس مرويا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما هو مروي عن كعب الأحبار. ثم قال وسالم أثبت عن أبيه من نافع عن مولاه. وقال المفسر القاسمي عن جميع الروايات إنها من قصص القصاصين واختلاق اليهود. وأورد هذا المفسر أقوالا للرازي وابن حزم وأبي مسلم فيها تفنيدات قوية في بطلان صحة نسبة السحر وتعليمه إلى الملائكة نقلا وموضوعا. وكلام السيد رشيد رضا في الموضوع في تفسيره متطابق إجمالا مع ذلك. ومهما يكن من أمر فالآيتان هما بسبيل حكاية ما كان يتعاطاه اليهود من أعمال السحر ومزاعمهم وتكذيب لهم والتنديد بهم. وما جاء عن هاروت وماروت