الحق، وسياق الآيات الخاص باليهود ومواقفهم يرجح ما نقول فيما نرى ونرجو أن يكون هو الصواب.
والآية الثانية أي الآية [١١١] تحتوي تقرير المعنى الذي قررته الآية [٦٢] كما شرحناها بشمول أوسع. فالدعوة النبوية القرآنية قائمة على الدعوة إلى الله وإسلام النفس إليه وحده والعمل الصالح الحسن. فاليهود والنصارى وغيرهم مدعوون إليها. فمن اعتنقها نال رضاء الله ونال أجره وأمن من الخوف والحزن، ويدخل في ذلك المؤمنون برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعقيدة اليهود في النصارى، والنصارى في اليهود المحكية في الآية [١١٠] كانت وما تزال واقعة ومشاهدة. وفيها تدعيم لقوة الرسالة المحمدية فكل منهما يسفّه الآخر ويراه على باطل وضلال. والناجي منهما هو الذي يسلم وجهه لله ويعمل الصالحات. وهذا حال الذين يستجيبون إلى تلك الرسالة وينضوون إليها لأنها تدعو إلى الحق وتبين الحق من الباطل والهدى من الضلال. وتضع كل شيء في نصابه الحق وتحل الإشكالات التي يرتكس فيها كل من النصارى واليهود سواء أفي نظرة كل من الفريقين إلى عيسى (عليه السلام) - وفي إحداهما إفراط كبير وفي أخراهما بغي كبير- أم في مناقضة شرائع الله وكتبه وتحريفها والانحراف عنها وتغدو هي المنار الهادي والملاذ الواقي والطريق القويم الوسط الذي لا عوج فيه ولا تعقيد ولا انحراف ولا غلو ولا إفراط ولا بغي مصداقا لهذه الآية من هذه السورة: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً البقرة: [١٤٣] ولآية المائدة هذه: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ... [٤٨] .
والتدعيم بهذا الشرح يبدو قويا رائعا كما هو واضح، وتزداد قوته وروعته حينما يذكر أن التوراة والإنجيل المنزلين من الله تعالى على موسى وعيسى (عليهما السلام) واللذين لم يصلا إلى عهدنا قد ذكرا صفة الرسول الأمين وأمرا أهلهما باتباعه كما جاء في آية سورة الأعراف [١٥٧] ، وأن عيسى (عليه السلام) بشّر بنبي