لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ويسير على طريقتهم، ولتأمره بالرد عليهم بأن هدى الله الذي هداه إليه هو الهدى الصحيح ولتنبهه بأنه لو اتبع أهواءهم بعد ما جاءه من العلم الذي فيه الحق والهدى لتخلّى الله عن نصرته ولما وجد له من دونه وليا ولا نصيرا.
وفي الآية الثانية إشارة تنويهية إلى الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته ممن آتاهم الله الكتاب. فهؤلاء هم الذين يعرفون الحق الذي فيه ويسيرون على هداه ولا يمارون فيه، أما الذين يكفرون بالحق والهدى منهم فإنهم الخاسرون.
وفي الآيتين الثالثة والرابعة خطاب إنذاري وتذكيري موجه إلى بني إسرائيل ليذكروا نعمة الله عليهم وما كان من تفضيله إياهم على الناس وليتقوا هول اليوم الآخر الذي لا تغني فيه نفس عن نفس، ولا يقبل فيه بدل ولا عدل، ولا تنفع فيه شفاعة ولا يكون لأحد نصر من أحد.
ولقد ذكر المفسرون في صدد الآية الأولى أن كلا من اليهود والنصارى كانوا يطلبون من النبي صلّى الله عليه وسلّم المهادنة ويأملون أن يتبع ملتهم ويراودوه على ذلك ليؤمنوا به. ومما ذكروه كذلك أن كلا منهم كان يطلب منه الثبات على استقبال المسجد الأقصى لأنه قبلتهم حتى يؤمنوا برسالته فنزلت للرد عليهم وتحذير النبي صلّى الله عليه وسلّم من وساوسهم. ويتبادر لنا أن اليهود هم المقصودون في الدرجة الأولى في الآية وأن ذكر النصارى هو للتعبير عن لسان حال الذين تمسكوا بنصرانيتهم كما رجحنا ذلك بالنسبة للآية: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى وأن اليهود قد اضطربوا وانفعلوا حينما تحول سمت القبلة عن قبلتهم إلى المسجد الحرام فحاولوا خداع النبي صلّى الله عليه وسلّم أو إغراءه، والخطاب موجه لبني إسرائيل فقط في الآيتين الأخريين حيث يدعم هذا ترجيحنا كون اليهود هم الموضوع الرئيسي في السلسلة الطويلة وكون ذكر النصارى هو من باب الاستطراد.
ولقد روى المفسرون أربعة أقوال في من عنتهم الآية الثانية، منها قولان عن ابن عباس واحد يذكر أنهم جماعة من الأحباش آمنوا وقدموا المدينة مع جعفر بن