هذا وننبه على أنه ليس من محل للتوهم من سبك جملة: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مال إلى اتباع ملة اليهود أو النصارى فالجملة أسلوبية ورد مثلها في مقامات عديدة بهدف تثبيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وبثّ الثقة والحذر في نفسه وحسب.
ولعل من مقاصد التحذير من اتباع أهواء اليهود والنصارى التنبه على ما كانوا عليه حين نزول الآيات من خلاف ونزاع وانقسام إلى شيع وأحزاب في الدين وانحرافات وشذوذ عن الأصل الذي تتطابق معه الدعوة الإسلامية. ثم الاستدراك لما عسى أن يوجه إلى القرآن والنبي من نقد بسبب الحملة عليهم وتقرير ضلالهم بعد تقريرهما هذا التطابق، وتقرير كون التطابق هو مع الأصل الصافي الذي حرفوه وانحرفوا عنه.
وإلى هذا ففي هذا التحذير تلقين جليل مستمر المدى في وجوب الثبات على الأصل الصافي للرسالة المحمدية التي يمثلها القرآن والسنة وعدم الانحراف عنهما واتباع الهوى وتأويلهما كما فعل الكتابيون ذلك.
ومع أن جملة يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ هي في صدد أهل الكتاب وكتبهم فإن أهل التأويل والمفسرين وقفوا عندها لاستنباط حكم عام منها على المسلمين بالنسبة للقرآن وقالوا إنها توجب عليهم أن يتدبروا أحكامه ويتمعنوا في محتواه ويتبعوا أوامره ونواهيه حق الاتباع. وأوردوا قولا لابن مسعود جاء فيه:«والذي نفسي بيده إن حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلام عن مواضعه ولا يتناول شيئا على غير تأويله» . وذكر القاسمي الذي نقلنا عنه هذا أن قولا مثله مروي عن ابن عباس أيضا وهذا حق في ذاته بل هو تحصيل حاصل بدون ضرورة إلى استنباطه من الجملة التي لا شك في أنها في صدد أهل الكتاب وكتبهم.
وقد يناسب هذا إشارة إلى ما عليه جمهور المسلمين من تلاوة للقرآن تلاوة آلية للتعبد وحسب، ومع أن تلاوة القرآن لذاتها وسيلة قربى إلى الله فإنهم على