عدولا وجنبهم مساوئ الإفراط والتفريط ليكونوا من الأمم في مركز الحكم العدل والشاهد وجعل الرسول شهيدا عليهم. والله قد أراد في أمر القبلة امتحانهم لإظهار الثابت في إيمانه وتصديقه واتباعه للرسول صلّى الله عليه وسلّم في اتجاهه للقبلة التي كان يصلي إليها من المتشكك المتردد. وإنه لامتحان عظيم حقا لا يثبت له إلا الذين هداهم الله وتشبعوا بالإيمان واطمأنت نفوسهم به وكانوا موضع عناية الله وتوفيقه. والله لم يكن ليضيع ثواب إيمان المسلمين وعبادتهم فهو الرؤوف الرحيم بالناس والمؤمنون به أولى الناس برأفته ورحمته بطبيعة الحال.
٣- ووجهت الآية الثالثة الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم: فالله يرى تقلّب وجهه في السماء كأنه يرجو أن يهديه إلى قبلة يرضى بها وتطمئن نفسه. وقد استجاب رجاءه فولّاه هذه القبلة حيث يأمره بأن يولّي وجهه شطر المسجد الحرام بعد الآن في أي وقت وفي أي مكان وأن المسجد الحرام لأحقّ بالاستقبال وأن أهل الكتاب ليعلمون ذلك حقّ العلم، والله غير غافل عما يعملون.
٤- ووجهت الآية الرابعة الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم كذلك مبينة حقيقة الأمر من موقف أهل الكتاب وانتقادهم: فهم صادرون عن هوى وغرض ومكابرة وعناد.
ومثل هؤلاء لن يتبعوا الحق ولن يتبعوا بالتالي قبلته مهما أتاهم به من حجج وآيات مقنعة. وإنهم لفي خلاف فيما بينهم أيضا، فليس بعضهم بتابع قبلة بعض وليس يصح والحالة هذه أن يتبع هو قبلتهم بعد أن جاءه العلم والحق من الله لأنه يكون حينئذ قد اندمج في أهوائهم ويكون من الظالمين المنحرفين عن الحق.
٥- واحتوت الآيتان الخامسة والسادسة تقريرا من ناحية أخرى لمكابرة أهل الكتاب: فهم يعرفون في قرارة أنفسهم صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكون ما فعله حقا كما يعرفون أبناءهم، وإن منهم لفريقا يكتمون الحق وهم يعلمونه حق العلم وإن الحق هو ما أوحى الله به فلا محل للارتياب والتردد في اتباعه.
٦- واحتوت الآية السابعة تقريرا لطبيعة ما يرى من اختلاف الناس في اتجاهاتهم، فلكل وجهته التي يتجه إليها، وعلى المسلمين أن لا يبالوا كثيرا بهذه