ذلك من روح الآية وفحواها أنها بسبيل التنويه بما كان من عناية الله في الدعوة الإسلامية وبما حملته هذه الدعوة لمتبعيها من عظيم التبعات وجعلتهم فيه من خطير المركز. وبالتالي أنها بسبيل مركز وواجب المسلمين في الحياة الدنيا أيضا.
وتعبير وَسَطاً يعني فيما يعنيه الخيرية في كل شيء والاعتدال في كل شيء وعدم التفريط والإفراط، وعدم الغلو والتقصير وعدم الاقتصار على ناحية والتقصير في ناحية، مما فيه خير دين ودنيا، وكل هذا متمثل في الرسالة الإسلامية حيث قامت على أسس وقواعد ومبادئ وأحكام وتقريرات وخطوط عامة حلت بها ما في مختلف النحل من مشاكل وتعقيدات وخلافات وتناقضات متصلة بعقيدة الله وحيث حكت من الطقوس المعقدة والتكاليف والأغلال الشديدة وحيث واءمت بين الدنيا والآخرة والمادية والروحية والعقل والقلب والعلم والدين، وحيث فتحت الآفاق للإنسان في مختلف المجالات لا يمنعه مانع من أي جهد وتصرف في حدود الإيمان والاعتدال والحق. وحيث تطابقت مع طبائع الأشياء ونواميس الكون ومقتضيات المنطق والعقل. وحيث جمعت بين حظ الدنيا وحظ الآخرة وأباحت كل طيب وحرمت كل رجس وخبث ومنعت الاستغلال والاحتكار والحرمان والاستعلاء والتمييز والبغي والتجبر. ودعت إلى كل فضيلة ونهت عن كل رذيلة فجعلها كل ذلك خير رسالة أخرجت للناس ومتطابقة مع كل زمن وظرف ومطلب. ومرشحة للعمومية والخلود مما انطوى تقريره في آيات عديدة منها آية سورة الفتح هذه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) وآية سورة الأنبياء هذه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) .
ولقد قلنا في صدد الآية الأخيرة من سورة الحج التي فيها جملة: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [٧٨] أنها عنت العرب واستدللنا على ذلك بما احتوته الآية من تذكير العرب بأبوة إبراهيم لهم. وفي جملة: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ