للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يوص لذوي قرابته فقد ختم عمله بمعصية» . وقولا آخر جاء فيه: «فإن لم يكن له قرابة فيوصي لفقراء المسلمين» .

وفي كل ما تقدم من الروعة والجلال ما هو ظاهر حيث ينطوي في ذلك قصد إلى توزيع الثروة وعدم احتكارها في أيدي الورثة. وحضّ على عمل البرّ والخير وصلة الرحم، حتى لقد ذهب بعضهم استنادا إلى قوة الآيات والأحاديث إلى أن الذي يهمل الوصية يكون مضيعا لفرض من فروض الله تعالى على ما ذكره الطبري.

ولقد أثرت أحاديث وأقوال عن الحد الذي يجب فيه هذا الواجب، فهناك حديث نبوي مشهور رواه الخمسة عن سعد بن أبي وقاص قال: «مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت فأتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني فقلت: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا ولا يرثني إلّا ابنتي، أفأوصي بمالي كلّه؟ قال: لا. قلت: فبثلثيه؟

قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث. والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس» «١» . وهناك حديث يرويه مسلم وأبو داود والنسائي عن عمران بن الحصين جاء فيه: «إنّ رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجزّأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة وقال له قولا شديدا» حيث يفيد هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجاز الثلث فقط «٢» .

وهناك حديث يرويه القاسمي عن الإمام أحمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب لوصية رجل بمال كثير ليتيم له وحدد له الثلث على الأكثر أو أقل مما أراد أن يوصي به.

وهناك أقوال يرويها ابن كثير والطبري وغيره من المفسرين عن بعض


(١) التاج ج ٢ ص ٢٤٢.
(٢) المصدر نفسه، وننبه على هامش هذا الحديث أن الرقيق كان يعتبر مالا، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرد بعمله تعطيل عتق الرقيق لذاته، والنبي صلّى الله عليه وسلّم من هذه الناحية أجلّ وأسمى والقرآن الذي أنزل عليه يحثّ على ذلك في مناسبات عديدة وإنما قصد إلى الرفق بورثة الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>