وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ومثل هذه الآية: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) . والذي يتمعن في سياق الآيتين يجد أنهما في موضوع الذين عاهدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم نقضوا وغدروا وحسب وإن الله قد حدد الشرط الذي يجب أن يتحقق للكفّ عنهم نتيجة لنقضهم وغدرهم. ويورد المفسرون جملة وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً الواردة في آية سورة التوبة [٣٦] في معرض تأييد قولهم. مع أن لهذه الجملة تتمة تمنع ذلك وهي: كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ومما يؤيد قولنا آية سورة الممتحنة هذه: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) وهذه الآية لا تحتوي تأييد ما نقوله فقط، بل وتحثّ على البرّ والإقساط لمن يقف من المسلمين موقف المسالمة والحياد من الكفار والمشركين إطلاقا. ومن الجدير بالذكر أنه لم يرو أي خبر بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاتل أو أمر بقتال مشركين مسالمين أو حياديين أو معتزلين أو رفض في أي وقت طلب صلح أو عهد أمان من أعداء محاربين. والذي يدرس وقائع الجهاد في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم «١» يرى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبعث سرية ولم يباشر غزوة ولم يشتبك بقتال مع جماعة إلّا ردا على عدوان أو انتقاما من عدوان أو دفعا لأذى أو تنكيلا بغادر أو تأديبا لباغ أو ثأرا لدم إسلامي أهدر أو ضمانة لحرية الدعوة والاستجابة إليها أو بناء على نكث عهد أو مظاهرة للعدو وتآمر معه ضد المسلمين. ولو كان قتال كل كافر أو كل مشرك مبدأ إسلاميا قرآنيا أو نبويا لاقتضى أن يقاتل النبي كل كافر وكل مشرك مهما كانت حالته وسنّه وموقفه وهذا لم يحصل إطلاقا لا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا في خلفائه الراشدين (رضي الله عنهم) .
ولقد روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن بريدة حديثا جاء فيه: «إن
(١) انظر وقائع الجهاد وغزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم وسراياه في الجزء الثالث من طبقات ابن سعد وفي الأجزاء ٢ و ٣ و ٤ من سيرة ابن هشام والجزء الثاني من تاريخ الطبري. [.....]