ومهما يكن من أمر فالنصّ ظاهر بأن أناسا سألوا رسول الله عن المحيض فنزلت الآيات بالإجابة مع بعض التفصيل. ويجوز أن تكون الآيات نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها للتماثل الظرفي والتشريعي، ويجوز أن تكون وضعت في ترتيبها للتماثل التشريعي ويجوز أن تكون بعض الآيات تليت في سؤال من أحد عن شيء ما مما يتعلق بإتيان النساء في المحيض أو في أدبارهن أو اعتزالهن فظنّ الرواة أنها نزلت على أثر السؤال والله تعالى أعلم.
هذا في صدد نزولها، أما في مداها:
فأولا: إن المفسرين يروون عن أهل التأويل أن المنهي عنه هو الجماع، والآية قد تفيد ذلك، والحديث المروي عن أنس يفيد ذلك صراحة. وهناك حديث يرويه الطبري عن عائشة جوابا على سؤال عما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضة:«كلّ شيء إلّا الجماع وفي رواية إلّا الفرج» وهناك حديث يرويه الشيخان عن ميمونة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيض» «١» .
وثانيا: في جملة حَتَّى يَطْهُرْنَ فقد قرئت الطاء والهاء بالتشديد والفتح.
وقرئت الطاء بالتسكين والهاء بالضم، واختلف الفقهاء بحسب ذلك. فمن رجح القراءة الأولى أوجب عدم الجماع حتى ينقطع الحيض وتغتسل الحائض. ومن رجح القراءة الثانية أجاز الجماع عند انقطاع الحيض بعد غسل الفرج فقط.
وثالثا: في جملة فَإِذا تَطَهَّرْنَ فاختلف الفقهاء تبعا لاختلافهم في قراءة الجملة السابقة. فمن رجح القراءة الأولى أوجب الاغتسال الشرعي قبل الجماع وبعد انقطاع الدم. ومن رجح القراءة الثانية أجاز الجماع دون اغتسال شرعي.
والجملتان تتحملان المذهبين غير أن الذي يتبادر لنا أن المذهب الثاني أكثر اتساقا مع فحوى الآية، فهي تقرر أن المحيض أذى وتأمر بعدم قرب النساء أثناءه فإذا
(١) التاج ج ١ ص ١٠٤. وهناك أحاديث أخرى في مثل ذلك عن عائشة، والمباشرة هي تماس البشرة بالبشرة والمداعبة البدنية ولو بالذكر دون الجماع.