ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآيات وما قبلها وما بعدها نزلت معا جملة واحدة أو متتابعة لتوضيح الأحكام المتصلة بالزواج والطلاق. ولم ينزل كل منها لحدتها بناء على حوادث وقعت وإن كان يصح القول إن حكمة الله اقتضت تنزيلها في هذا الفصل بسبب مثل الحوادث المذكورة في الروايات. ويلحظ أن الحديثين الصحيحين اللذين أوردناهما في الذيل لا يذكران أن الآيات نزلت لحدتها بناء على الحوادث والله أعلم.
ولقد روى الطبري حديثا عن ابن زيد جاء فيه:«إن رجلا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أرأيت قوله تعالى الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ فقال له: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» . وفي الجواب حكمة بالغة. وفيما يلي شرح وتعليق على مدى الآيات:
١- إن جملة الطَّلاقُ مَرَّتانِ ذات مغزى هام في صدد التطليق. ومما أثر من السنة النبوية والصحابة أن الزوج الذي يريد أن يطلق زوجته كان يطلقها للمرة الأولى طلقة رجعية ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها. ثم إذا لم تزل أسباب الطلاق عنه أو عادت ثانية يطلقها للمرة الثانية طلقة رجعية ثم يراجعها قبل انتهاء العدة، فإذا لم تزل أسباب الطلاق أو عادت طلقها للمرة الثالثة ويكون الطلاق بائنا لا تحل المطلقة لمطلقها إلا بعد أن تنكح زوجا آخر. وينطوي في هذا كما هو واضح حكمة التنزيل الجليلة في إعطاء الفرصة للزوجين للتروي فإذا وقعت التطليقة الثالثة فيكون معنى ذلك تعذر التراضي والوفاق ويصبح الفراق أمرا ضروريا لصالح الزوجين وتكون شريعة الطلاق بهذه الصورة في غاية الحكمة والصواب.
وهناك حديث رواه الشيخان والنسائي وأبو داود عن ابن عمر أنه طلّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله فسأل عمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء» . وهذا الحديث مع نصّ الآيات قد يلهم عدم نفاذ الطلاق البات أو الطلاق الثلاث مرة واحدة كما