وكان يريد إكراهه على الإسلام فرفع الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت. وهناك روايات وأقوال أخرى، منها أن نساء الأنصار كن ينذرن إن ولدن ذكرا أن يجعلنه في اليهود أو النصارى ابتغاء طول عمره فنشأت منهم ناشئة على ذلك فأراد آباؤهم إكراههم على الإسلام فرفع الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت. ومنها أنه كان لأنصاري ابنان تنصّرا على يد تجار من الشام وهاجرا إليها فأراد أبوهما اللحاق بهما لردهما إلى الإسلام فنزلت «١» . وليس شيء من ذلك واردا في كتب الأحاديث المعتبرة. والانسجام تام بين الآيتين وفحواهما تقريري عام، ويتبادر لنا أنهما غير منقطعتين عن السياق وبخاصة عن آية الكرسي بحيث يرد أن تكون حكمة التنزيل شاءت تنزيلهما مع تلك الآية أو بعدها لبيان ما في الآية من الدلائل الباهرة على عظمة الله وكمال صفاته ووحدانيته ووجوب عبادته وحده واتباع رسوله الذي أرسله مبشرا بدينه، وأن هذا لا يحتاج إلّا إلى رغبة صادقة بدون إكراه بعد أن ظهر الرشد من الغي والهدى من الضلال بهذه القوة والنصاعة. وهذا لا ينفي أن تكون بعض الأحداث التي روتها الروايات قد كانت ترفع الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فتلا الآية الأولى كحكم فصل في الموقف فالتبس الأمر على الرواة، والله أعلم.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون ويقولونها في مدى الآية الأولى.
من ذلك أن حكم الآية خاص بأهل الكتاب وبغير العرب فلا يجوز إكراههم على الإسلام إذا قبلوا الجزية، وأنها منسوخة بالنسبة لمشركي العرب فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل. ومن ذلك أن الآية نزلت قبل الإذن بالقتال وإن الإذن نسخها بالنسبة للجميع فصار لا يقبل من أحد إلّا الإسلام ويكرهون عليه. ثم أذن القرآن بأخذ الجزية من أهل الكتاب وحسب.
وليس شيء من هذه الأقوال واردا في كتب الصحاح، ولقد عالجنا هذا الموضوع في تعليق مسهب عقدناه في تفسير سورة (الكافرون) في صدد حرية التدين في الإسلام لكل ذي نحلة، وانتهينا إلى أن هذا المبدأ المنطوي في سورة
(١) انظر الروايات في الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي.