الشديد على الإنفاق في سبيل الله أولا وعلى الفقراء إطلاقا في أي وقت وحال ثانيا، وبقطع النظر عن الجنس والدين لأن المتصدق إنما يتصدق قربة عن نفسه وابتغاء وجه الله وأن الهدى الله فلا ينبغي أن يضيع الفقير ويحرم لمجرد أن دينه غير دين الغني، أم في التنبيه على فضل إخفاء الصدقات لتكون خالصة لوجه الله غير مؤذية وجارحة للمتصدق عليه، أم في التنبيه على أن الامتناع عن التصدق هو من وساوس الشيطان وتخويفه صاحب المال من الفقر مع أن الله يعد المتصدقين المغفرة وزيادة الفضل، أم في وجوب الاهتمام للفقراء الذين يتعففون عن السؤال أو الذين يمنعهم حبسهم أنفسهم على سبيل الله ومصلحة المسلمين أو حبس الظروف القاهرة لهم عن التكسب وضمان رزقهم، أم في التنبيه على أن التزام وصايا الله هو من الحكمة البليغة التي يجب أن يتذكرها ويعمل بها ذوو العقول النيرة والقلوب السليمة، أم في التنبيه على أن المنحرفين منها هم الظالمون لأنفسهم الذين لا يمكن أن ينصرهم الله أم في التشويق العظيم المنطوي في وعد الله عز وجل بمضاعفة أجر ما ينفقه المسلم أضعافا مضاعفة.
وإذا لوحظ أن في القرآن المكي والمدني آيات كثيرة أخرى في الحضّ على الإنفاق في سبيل الله والتصدق على الفقراء والمساكين والتنويه بمن يفعل ذلك والتنديد بمن يقصر في ذلك مما مرّت أمثلة كثيرة في السور التي سبق تفسيرها وما يأتي في سور آتية يظهر عظم عناية حكمة التنزيل بهذين الأمرين الخطيرين من حيث إن الأول هو سبيل قوة الإسلام والمسلمين ودفع العدوان عنهما وضمان عزتهما وحريتهما والدعوة إلى الدين الإسلامي ومبادئه وما يؤدي ذلك إليه من انتشار هذا الدين الذي رسخه الله ليظهر على الدين كله وكل هذا منطو في تعبير سَبِيلِ اللَّهِ ومن حيث أن الثاني هو سبيل سد حاجة المعوزين من المسلمين الذين يؤلفون طوائف كبيرة جدا في كل مجتمع وإيجاب ذلك على الميسورين الذين هم الأقلية حتى لا تتعطل الدعوة إلى الإسلام ولا يتعرض المسلمون للأخطار والعدوان وحتى تخف المرارة في نفوس تلك الطوائف ضد الأقلية الموسرة ويتفادى بذلك اضطراب المجتمع الإسلامي.