للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجة وداعه فيما قال «١» : «إن كل ربا موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كلّه» وهذا مما يستأنس به كذلك لأن العباس آمن قبل الفتح المكي ثم هاجر عقبه إلى المدينة فلو كانت الآيات نزلت قبل حجة الوداع لما كان للعباس ربا يطالب به، لأنه لا يمكن إلا أن يتقيد بأمر الله المشدد. ومع هذا فإننا ننبه على أن هناك روايات تذكر غير هذه الآية كآخر ما نزل من القرآن على ما سوف ننبه إليه في مناسبته.

والآيات شديدة وحاسمة في تحريم الربا كما هو ظاهر في صيغتها، ومع ما قاله المفسرون في تعريف ربا الجاهلية فقد أوردوا «٢» أحاديث وروايات وأقوالا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وتابعيهم بعضها ورد في كتب الأحاديث الصحيحة تتضمن تعريفا بالربا في الإسلام وهو أخذ زيادة في مال متجانس كيلا أو وزنا أو نوعا بدون مقابل. وسواء أكانت المعاملة فورية أو مؤجلة فإذا أعطى امرؤ امرأ آخر ذهبا أو فضة أو برّا أو تمرا وأخذ بدل الذهب ذهبا وبدل الفضة فضة وبدل البرّ برّا وبدل التمر تمرا بزيادة ما في نوع أو وزن فالزيادة هي الربا الذي تحرمه الآيات ولو كان الأداء دينا مؤجلا. ولا مانع من أخذ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبرّ بالبرّ إذا روعي في ذلك المساواة التامة جنسا ووزنا وكيلا. أما إذا أعطى امرؤ ذهبا فتقاضى بدله فضة أو شعيرا أو تمرا أو أعطى شعيرا فتقاضى بدله برّا أو نقدا من ذهب أو فضة بزيادة ما فالزيادة في الوزن والكيل والنوع هي ربح حلال لأن العملية تكون عملية بيع سواء أكانت فورية أو مؤجلة. ويطلق الفقهاء على الربا الذي يكون في العملية الفورية (ربا التفاضل) وفي العملية المؤجلة (ربا النسيئة) . ومن هذه الأحاديث حديث رواه الخمسة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبرّ بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم


(١) انظر ابن هشام ج ٤ ص ٢٧٥ والتاج ج ٢ ص ١٤٣، وحديث حجة الوداع طويل مروي عن جابر بن عبد الله.
(٢) انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن والبغوي وابن كثير والطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>