ولقد قلنا إننا لم نلمح في الأحاديث أنها متساوقة مع مدى الجملة حيث نرى أن الجملة عنت الصرعة التي يرتمي بها المصاب على الأرض وتجعله يتخبط، والمتداول بين الناس أن هذا من مسّ الشيطان. ولقد عقد القاسمي في تفسيره فصلا طويلا بذلك استشهد بأقوال الإمامين ابن تيمية وابن الجوزي وبفصل للبقاعي بسبيل إثبات مسّ الشيطان للجسم الإنساني وحدوث الصرع والجنون نتيجة لذلك وإخراج الشيطان منه بالرقى والآيات القرآنية وأورد حديثا طويلا أورده البقاعي في ذلك من إخراج الدارمي لم يرد في كتب الصحاح ونرى التوقف فيه أولى لأن فيه إغرابا شديدا. ومما ساقه البقاعي بسبل إثبات حقيقة ذلك ما ورد في الأناجيل المتداولة اليوم من حوادث عديدة نذكر ما كان من إخراج عيسى (عليه السلام) الجنّ والشياطين من المرضى المصابين بالصرع والجنون، والأناجيل المتداولة تورد روايات فيها غثّ وسمين وحقيقة وخيال وذكريات ولا يصح سوقها بسبيل إثبات ذلك.
ولقد تصدى رشيد رضا لهذه المسألة وأشار إلى الخلاف فيها بين أهل السنة والمعتزلة فقال إن الآية لا تثبت ذلك ولا تنفيه وإنه ثبت عند أطباء العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التي تعالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الجديدة. وقد تعالج بالإيهام. وإننا نحن المسلمين لسنا في حاجة إلى النزاع فيما أثبته العلم وقرره الأطباء أو إضافة شيء إليه مما لا دليل عليه في العلم لأجل تصحيح الروايات الآحادية وإن القرآن أرفع من أن يعارض العلم.
وهذا كلام سديد من دون ريب، وقد يصح أن يضاف إليه أولا: إن الآية في مقامها لا تتحمل هذا الجدل. وإن كلام الزمخشري ومن تابعه في الأصل متسق مع ما تكرر كثيرا في القرآن من كون حكمة التنزيل جرت على مخاطبة سامعيه للمرة الأولى بما هو معروف ومسموع ومعتقد به عندهم وعند الأمم الأخرى التي يتصلون بها أو يعرفون أخبارها.