مسلمين ما دام هذا ممكنا. فإن لم يكن هذا ممكنا أو إذا كانت الواقعة التي يراد الاستشهاد عليها فورية ولم يشهدها غير مسلمين فتكون شهادتهم سائغة إذا كانوا عدولا غير متهمين لأن الحق يضيع على صاحبه بدون ذلك، والله تعالى أعلم.
١٠- وعبارة فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ تفيد اعتبار شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد وقد عللت الآية هذا مما ينطوي فيه الإشارة إلى مشاغل المرأة وما تؤدي إليه من غلبة النسيان عليها. ولقد زاد المفسرون على التعليل القرآني تعليلا آخر وهو نقص عقل المرأة واستندوا في ذلك إلى الحديث النبوي الذي يصف المرأة فيه بنقص العقل ويدلل على ذلك بأن الله جعل شهادتها نصف شهادة الرجل والذي أوردناه في سياق تفسير الآية [٢١] من سورة الروم وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار. وذلك التعليق يجعلنا نعتقد أن التعليل المنطوي في الآية هو الوارد الحق. ثم يجعلنا نقول إن جعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في الآية ليس من شأنه أن يخلّ بما منحه الله للمرأة المسلمة في القرآن من حقوق وقرره لها من أهلية يجعلانها مثل الرجل في أمور الدين والدنيا سواء بسواء باستثناء الحياة الزوجية، ومركز الرجل المتفوق درجة فيها عليها مما شرحناه في سياق آية الروم المذكورة وفي مناسبات سابقة أخرى وفي سياق تفسير آيات فصل الطلاق في هذه السورة، ومما سوف نزيده شرحا في مناسبات أخرى في سور آتية.
١١- ولقد قلنا في الفقرة (٣) إن العبارة القرآنية تفيد أن الشهود المعنيين فيها هم شهود يختارهم صاحب المصلحة ممن يرضى ويدعوهم لشهود الحادثة والشهادة عليها. وفي ضوء ذلك يرد سؤال عن حكم الحالة التي تكون فورية ويكون شاهدها امرأة واحدة أو امرأتان أو رجل وامرأة ولم يكن الظرف يتيح إحضار شهود أو يفيد فيه ذلك. وهذه حالات تقع كثيرا في مختلف الأحداث والظروف. والمتبادر أنه يجب الأخذ بشهادة المرأة أو المرأتين أو المرأة والرجل ويكون ذلك في مقام البينة التي يثبت بها الحق ويكون عدم الأخذ بها مما يضيع الحق. والله ورسوله لا يرضيان عن ذلك وليس في الآية ولا في القرآن ولا في الأحاديث ما يمنع ذلك. ولقد تطرق ابن القيم إلى هذه الحالة أيضا ونقل عن