إخراج الإمام أحمد وابن مردويه عن أبي ذرّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش» . ولقد جاء في الحديث الذي أوردناه في سياق الآية السابقة عن أبي هريرة أن الله تعالى كان يقول نعم بعد كل مقطع من الدعاء الذي حكته الآية الثانية من الآيتين اللتين نحن في صددهما. ولقد أخرج الطبري وأورد أحاديث أخرى عن ابن عباس مثل هذا الحديث بفروق يسيرة.
ولو لم يكن أحاديث نبوية فإنه يصح أن يقال إن الله تعالى حين شاءت حكمته أن يعلم المؤمنين الدعاء الوارد في الآية وأن يحكيه عن لسانهم في كتابه الكريم تكون حكمته قد شاءت أن يستجيب الله إلى هذا الدعاء إذا ما صدر من أعماق قلوب عباده، والله تعالى أعلم.
والآيتان جملة تامة احتوتا مبادئ قرآنية محكمة تكرر تقريرها في القرآن المكي والمدني بأساليب متنوعة. منها: العقيدة الإسلامية وهي الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله بدون تفريق والسمع والطاعة وإسلام النفس إطلاقا لله. ومنها: أن الله عز وجل قد جعل الإنسان أهلا وذا قابلية لاكتساب أعماله ورتب عليه نتائج ذلك. فما اكتسبه من أعمال سيئة فجريرتها عليه وما اكتسبه من أعمال سنية فله أجره عليها. ومنها: أن الله تعالى لا يؤاخذ عباده على ما يصدر منهم بسائق الخطأ والنسيان. ومنها: أن الله تعالى جعل الشريعة الإسلامية خالية من التكاليف الشديدة التي فرضت على الملل السابقة. ومنها: أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يحملها ما لا طاقة لها به. ومنها: أن الله مولى المؤمنين ووليهم وأنهم منصورون على الكافرين ومعفوّ عنهم ومغفور لهم ومشمولون برحمته إذا ما آمنوا واتقوا وأخلصوا حقّ الإيمان والتقوى والإخلاص.
وقد تكون صيغة الآية الثانية لا تنطوي على تقرير هذه المبادئ تقريرا مباشرا. غير أن الله وقد شاءت حكمته أن يعلم المؤمنين أن يدعوه بما دعوه تكون قد شاءت أن يستجيب لهم وتغدو مبادئ قرآنية. وهذا مدعوم الحديث الصحيح الذي أوردناه وفيه سبب نزول الآية، فضلا عن أن هذه المبادئ مما