للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ينفلكموها. فخفّ بعضهم وثقل بعضهم وكان هؤلاء يظنون أن رسول الله لن يلقى حربا، وبلغ أبا سفيان خبر استنفار النبي له فأرسل رسولا إلى مكة لإنذارهم.

وأخذ حذره فسلك طرقا غير مطروقة واستطاع أن ينجو من الخطر ويتجه آمنا نحو مكة. وقد خرج رسول الله على رأس ثلاثمائة ونيف نحو ربعهم من المهاجرين والباقون من الأنصار في أوائل شهر رمضان للسنة الهجرية الثانية. وقد سارعت قريش حينما جاءها النذير إلى النفرة حتى لم يكد يتخلف من أشرافها أحد. ومن لم يستطع الخروج منهم بنفسه بعث رجلا مكانه حيث لم يكن أحد منهم إلّا وكان له شركة في القافلة.

وفي الطريق علم رسول الله أن أبا سفيان نجا مع القافلة وأن قريشا مقبلة نحوه في نحو ألف فيهم عدد كبير من زعمائهم حتى قال لأصحابه هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ أكبادها. وقد انقسم المسلمون في الرأي فريقين، منهم من قال إنما خرجنا للعير فلما نجت لم يعد حاجة إلى قتال، ومنهم من قال إذا عدنا اتهمتنا قريش بالجبن والفرار فلا بدّ من لقائهم. وجمع رسول الله كبار أصحابه من مهاجرين وأنصار وهتف بهم أن أشيروا عليّ، فقام أبو بكر ثم عمر ثم المقداد فقالوا فأحسنوا. ولكن رسول الله ظلّ يهتف قائلا أشيروا عليّ قاصدا سماع الأنصار لأن الأوّلين من المهاجرين. لأن الأنصار بايعوه على الدفاع عنه وكان يظن أنهم قد لا يرون عليهم نصرته إلّا ممن دهمه في المدينة. فقام سعد بن معاذ زعيم الأوس وقال يا رسول الله لكأنك تريدنا؟ قال: أجل، فقال: لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به الحق. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منّا رجل واحد. وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا. إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله «١» . فسرّ رسول الله ونشط بذلك ثم قال سيروا وأبشروا فإن الله


(١) هذه رواية ابن هشام عن ابن إسحق. وروى مسلم عن أنس حديثا جاء فيه: «إن رسول الله شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان فتكلم أبو بكر ثم تكلم عمر فأعرض عنهما فقام سعد بن عبادة زعيم الخزرج فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا..» انظر التاج ج ٤ ص ٣٦٦. واختلاف الروايتين في اسم الزعيم القائل ليس من شأنه الإخلال بجوهر الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>