امرئ ما أخذه حتى يقسم بينهم فلا يبعد أن يكون بعضهم تلكأ في ردّ ما في يده فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآيات في سياق ما أوحي في صدد مشاهد الوقعة محذرة مشوقة منبهة. ولقد ذكرنا في خلاصة وقعة بدر أن أبا سفيان شعر بحركة خروج النبي والمسلمين للتعرّض لقافلته. وقد يسيغ هذا فرض صحة الرواية الثانية. ولعله كان للرجل الذي حذّر أبا سفيان أوشاج من قربى وأموال في مكة ففعل ما فعل، ليكون له يد عند أبي سفيان بسبيل وقاية أمواله وأقاربه.
ولا عبرة بما جاء في الرواية من وصف الرجل بالمنافق الذي قد يوهم أنه من أهل المدينة فقد يكون ذلك من الراوي على اعتبار أنه لا يفعل ذلك إلّا منافق.
ولقد روى البخاري ومسلم في سياق تفسير سورة الممتحنة حادثا مماثلا وقع في ظروف عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم على الزحف على مكة لفتحها في السنة الثامنة للهجرة.
حيث كتب حاطب بن أبي بلتعة وهو من المهاجرين إلى أبي سفيان يخبره بالأمر وعلم النبي بذلك فأرسل فاستردّ الرسول وعوتب حاطب فاعترف وقال إني مؤمن مخلص ولي أموال وأقارب في مكة وليس لهم من يحميهم فأردت أن أتخذ يدا عند أبي سفيان، وصدّقه الرسول فعفا عنه وقال لعمر الذي طلب أن يضرب عنقه:«وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وكان حاطب ممن شهد بدرا. وإلى هذا الحادث أشارت الآية الأولى من سورة الممتحنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا ...
إلخ «١» .
ومن تحصيل الحاصل أن نقول إن ما احتوته من أوامر ونواه وتحذير وتشويق هو عام التوجيه والشمول. وفيها تلقينات أخلاقية واجتماعية ونفسية جليلة مستمرة المدى انطوى مثلها في آيات عديدة مرّ تفسيرها. وننوّه بخاصة بما يعده الله تعالى في الآية [٢٩] من وعود جليلة للمؤمنين إذا ما اتقوا الله توكيدا لوعود كثيرة سابقة.