بل يمكن الجزم بمدنيتها. ونميل إلى القول إن في الحديث لبسا حيث يتبادر أنه لما نزلت الآية الأولى ذكر اسم الشخص الذي حكت قوله فصار وهم أن الآيات نزلت حين قال هذا الشخص ما قال مع أن الآية التي حكت قوله جاءت بأسلوب تذكيري كما قلنا آنفا.
ولقد روى الطبري أن الآية [٣٦] نزلت في أبي سفيان وغيره ممن وتروا في بدر حيث أخذوا يبذلون جهودهم ويجمعون الأموال وينفقونها في سبيل تحشيد الناس وتحريضهم على الحرب لأخذ الثأر من النبي والمسلمين بعد هزيمتهم في بدر. والرواية محتملة جدا وفيها دليل آخر على أن الآية وما قبلها مدنيات أيضا.
والذي يتبادر لنا على ضوء ما تقدم وعلى ضوء فحوى الآيات والسياق أن هذه الآيات جاءت لتذكر بما كان من تحدي كفار قريش واستعجالهم لعذاب الله على سبيل السخرية ولتبرر عدم إيقاع الله عذابه عليهم قبل هجرة النبي والمؤمنين وإيقاعه العذاب عليهم بعد الهجرة ولتذكرهم بذلك ولتنذرهم بهزائم أخرى بسبب استمرارهم في مواقف الصدّ وتحشيدهم للحرب وبذلهم الأموال في سبيل الله وما سوف يكون من حسرتهم ثم بالعذاب الأخروي الشديد، والله تعالى أعلم.
والخازن يروي أن جملة وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ نزلت في ظروف وقعة الحديبية لأن كفار قريش منعوا رسول الله وأصحابه من زيارة الكعبة أو أنها تشير إلى ذلك. وهذا غريب. ومقام ورود الآيات وبعد الزمن والمناسبة وبين وقعة بدر ووقعة الحديبية يسوغ التوقف في هذه الرواية والترجيح بأنها قصدت التذكير بما كان من كفار قريش من منع المسلمين وبخاصة ضعفاءهم من الصلاة عند الكعبة في العهد المكي مما وردت الإشارة إليه في آيات سورة الحجج [٢٥- ٢٨] على ما شرحناه في سياق تفسيرها ومما روته روايات أيضا، ومما أريد به كذلك تبرير ما وقع على المشركين من عذاب يوم بدر.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها ويقولها المفسرون لجملة وَما