سكتوا على ما كان من أبي بكر وعمر وعثمان من عدم إعطاء فاطمة سهم رسول الله إرثا عن أبيها، ومن عدم إعطاء سهم ذي القربى لأقارب رسول الله الأدنين.
وينكرون أن يكون عليّ سلك مسلكهم. وفي كلامهم على أي حال اعتراف بما جرى عليه الخلفاء الثلاثة على الأقل على ملأ من جمهور أصحاب رسول الله وبخاصة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وإقرارهم، والمؤمن الحق الذي يعرف الخلفاء الثلاثة هم ممن مات النبي وهو راض عنهم وممن سجل الله رضاءه عنهم في آية سورة التوبة [١٠٠] لا يمكن أن يسلم بأنهم فعلوا غير ما عرفوا أنه الحق الموافق لسنة رسول الله وإلهام كتابه. ولا يجوز لمؤمن مخلص أن يقول أو يظن أن جمهرة أصحاب رسول الله وبخاصة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين سجل رسول الله رضاءه عنهم وهم مئات يمكن أن يتواطأوا على صرف هذا الحق عنهم لو كان لهم بنص القرآني أو حديث نبوي. وجملة «إنما يأكل آل محمد من هذا المال» الواردة في الحديث الذي يرويه الخمسة يقوي ذلك. فلو كان لآل محمد سهم في خمس الغنائم أو في الفيء لما كان من حكمة لهذا القول.
ولقد روى المفسرون أن الخلفاء الراشدين جعلوا أقارب رسول الله مثل سائر المسلمين فكان الذي يشهد المعركة منهم يأخذ نصيبا من الغنائم أسوة بمن شهدها، وحين رتبت المرتبات من بيت المال في زمن عمر رتبت لهم وفقا للمراتب التي رتبت عليها وجعل لهم أو لبعضهم ميزة القربى لرسول الله «١» . وكان يعطى لفقرائهم من بيت المال أسوة بفقراء المسلمين واستمر ذلك في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما ثمّ في زمن الدولة الأموية ثم في نحو الخمسين سنة الأولى من زمن الدولة العباسية أيضا وفي هذا دليل آخر.
ولقد روي أن هذا الحق أقر ووزع لأقارب رسول الله في زمن المأمون سابع الخلفاء العباسيين. ولكن ليس هناك ما يفيد أن ذلك ظلّ معمولا به في هذه الدولة وما بعدها والله أعلم.
(١) انظر هذه النقطة في تاريخ عمر بن الخطاب للجوزي ص ١٠٨ وما بعدها، بالإضافة إلى كتب التفسير.