العداء الشامل بين المهاجرين والأنصار من جانب وبين كفار قريش من جانب، وكان بين هؤلاء والمهاجرين صلات وشيجة من قربى ورحم ودم وصهر وشركة مال وملك، فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات لبيان الحكم في صلات كل منهم بالآخر. ووضعت في آخر السورة إما لأنها نزلت بعد سابقاتها مباشرة أو للتناسب الموضوعي.
ولم يرو المفسرون رواية في نزول الآيات وإنما رووا عن ابن عباس وبعض التابعين أن التولي في الآيتين الأولى والثانية بمعنى التوارث. وأن الآية الأولى منهما في صدد تشريع التوارث بين المهاجرين والأنصار الذين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. وأن الآية الثانية في صدد منع التوارث بين المؤمنين والكفار. وإلى هذا روى المفسرون أيضا أن التولي في الآيتين بمعنى التضامن والتناصر «١» . وروح الآيتين ومضمونهما في جانب القول الثاني فيما يتبادر لنا. ويقوي هذا ما جاء في الآية الأولى من بيان الموقف الذي يجب أن يقفه المهاجرون والأنصار من المؤمنين غير المهاجرين. وتعبير اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ وتعبير فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ يكادان يفسران مفهوم تعبير أَوْلِياءُ وتعبير وَلايَتِهِمْ اللذين جاءا قبل. ويقويه أيضا التنبيه الذي جاء في الآية الثانية على أن مخالفة ما جاء فيها بتبادل التولي بين الكفار والمؤمنين يؤديان إلى الفتنة والفساد الكبير. فهذا التعبير القوي أجدر أن يكون بسبيل التناصر والتولي بين ذوي العصبية والأرحام من المؤمنين والكفار أكثر منه بسبب التوارث.
وما جاء في الآية الأولى من بيان الموقف الواجب تجاه المؤمنين غير المهاجرين يدل على أنه كان في مكة أو في البادية مؤمنون ظلوا حيث هم ولم يهاجروا. وقد تكررت الإشارات في سور أخرى إلى هؤلاء أيضا. ومن هذه
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي وبعضهم أورد الروايات المتناقضة. انظر أيضا ابن هشام ج ٢ ص ٣٢٤ حيث قال في سياق تفسير الآية الثانية (لا يوال المؤمن الكافر وإن كان ذا رحم به) .