على النبي في سلسلة أخبار وقعت أحداثها قبل فتح مكة بمدة طويلة بل وقبل خبر وقعة أحد التي كانت في السنة الهجرية الثالثة. ولم يذكر تاريخا ولا كتاب عهد مع ذكره أن الشطر الأول من السورة قد نزل في مناسبة قدومه وأنهم تناظروا معه في أمر المسيح وأنه اقترح عليهم المباهلة وجعل لعنة الله على الكاذبين امتنعوا وقالوا له نوادعك ونبقى على ديننا «١» .
وإجماع الروايات على أن الفصل الأول هو في صدد هذا الوفد ومجيء السورة في الترتيبات المرويّة بعد سورة الأنفال يسوغان القول إن وفد نجران قد قدم في وقت مبكر جدا من العهد المدني وقبل فتح مكة. ويكون خبر نزول سورة آل عمران بعد سورة الأنفال بسبب الفصل الذي فيه خبر المناظرة مع الوفد واردا صحيحا. وحينئذ يكون الخبر الذي رواه ابن سعد وأبو يوسف عن قدوم الوفد بعد فتح مكة وكتابة النبي صلى الله عليه وسلم عهدا له حادثا ثانيا.
وجمهور المفسرين متفقون كذلك على أن الوقعة الحربية التي جاء الفصل الثالث من فصول السورة في صددها هي وقعة أحد التي جرت بين المسلمين وبين جيش كفار قريش عند جبل أحد قرب المدينة بعد خمسة عشر شهرا من وقعة بدر حيث زحف صناديد قريش على رأس جيش كبير من مكة على يثرب لأخذ ثأرهم من يوم بدر. وورود هذا الفصل في السورة يؤيد وجاهة كون السورة نزلت بعد سورة الأنفال التي دار معظمها على وقعة بدر. ولقد أورد ابن هشام خبر قدوم وفد نجران قبل خبر وقعة أحد. وقد يؤيد كون وفد نجران جاء قبل وقعة أحد ورود فصل المناظرة في السورة قبل فصل أحد. ولعل انتصار النبي والمسلمين في بدر على أهل مكة كان ذا دويّ عظيم في أنحاء الجزيرة- وهذا مما لا يتحمل ريبا- حفّز نصارى نجران على إرسال وفدهم لاستطلاع النبأ النبوي العظيم وسهل قدومه. والله تعالى أعلم.
ومن المحتمل أن تكون مواقف اليهود التي جاء الفصل الثاني في صددها قد