التقاء اليهود ومشركي العرب فيهما. أما التقاء النصارى معهم فيهما فهو آت من كون هؤلاء يؤمنون بأسفار العهد القديم والأنبياء الذين ورد ذكرهم فيها ومنهم إبراهيم عليه السلام كما هو المتبادر.
وقد قال المفسرون في صدد مفهوم الآية الثانية إنها احتوت تنديدا باليهود والنصارى لأنهم إذا صحّ أن يحاجّوا فيما احتوته التوراة والإنجيل لأنه مفروض أنهم يعرفونها فما كان لهم أن يحاجّوا فيما ليس فيها مثل كون ملة إبراهيم هي اليهودية أو النصرانية لأنهم بذلك يحاجّون فيما ليس لهم به علم صحيح «١» وهذا متسق مع فحوى الآيات كما هو المتبادر.
وأسلوب هذه الآية بخاصة وأسلوب الآيات بعامة يلهمان على كل حال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في موقف المستعلي الملزم المستحكم في الحجة والبيان.
وروح الآية الأخيرة ومضمونها يفيدان أنها تعني فريقين، فريقا قبل النبي لزم ملة إبراهيم الموصوفة، ثم النبي والذين آمنوا معه كفريق ثان. وهذا يعني كما هو المتبادر أن أحدا لا يستطيع أن يدعي أنه على ملّة إبراهيم بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يكون مؤمنا به من وجهة النظر الإسلامية.
ولقد أورد الطبري في سياق هذه الآية حديثا رواه أيضا الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن مسعود قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكلّ شيء ولاة من النبيين وإنّ وليي منهم أبي وخليل ربي. ثم قرأ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) » .
والحكمة الملموحة في الحديث توكيد التلازم بين النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام في الملة الواحدة الموصوفة في الآية الثالثة. وتوكيد ما أمر الله نبيه بالهتاف به في آيات سورة الأنعام [١٦٠ و ١٦١] التي سبق تفسيرها والتعليق عليها.
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن وابن كثير.