وسياق الآيات وما روي في نزولها يؤيد أن ما ذكرناه في سياق تفسير فصل الحج في سورة البقرة من أن الحج قد فرض على المسلمين في وقت مبكر من العهد المدني. فالسياق يدل بصراحة على أن اليهود كانوا ذا وجود قوي في المدينة حينما نزلت الآيات. في حين أنهم لم يعد لهم وجود في السنة التاسعة. هذا فضلا عن الدليل الآخر المنطوي في جملة وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ في الآية [١٩٦] من سورة البقرة على ما شرحنا الأمر في سياقها. والله أعلم.
ولقد ذكر مقام إبراهيم في آية البقرة [١٢٥] والتي احتوت أمرا باتخاذه مصلى والتي ذكر فيها أن الله قد جعل البيت مثابة وأمنا. وبين هذا وما جاء في الآيتين تشابه. ولقد خمّنا أن سلسلة آيات البقرة [١٠٤- ١٥٢] قد تضمنت فيما تضمنته مواقف حجاج وجدل في صدد الكعبة وبيت المقدس حينما تحول النبي في صلاته نحو الكعبة بدلا من سمت بيت المقدس. وقد علقنا على ذلك بما يغني عن التكرار إلا أن نقول إن الآيات التي نحن في صددها قد تدل على أن هذا الجدل قد ثار ثانية بين النبي واليهود فاقتضت حكمة التنزيل الوحي بها لوضع الأمر في نصابه الحق للمرة الثانية. ولقد قررت الآية [١٤٤] من سلسلة البقرة المذكورة أن اليهود يعرفون حقيقة أفضلية الكعبة والاتجاه إليها فجاءت الآيات لتؤكد ذلك بأسلوب مفحم وحاسم آخر. والله تعالى أعلم.
ولقد تعددت الروايات والتأويلات التي يرويها المفسرون في صدد أولية البيت المذكور في الآية الأولى. وقد أوردنا هذه الروايات وأوردنا معها حديثا رواه الشيخان والنسائي عن أبي ذرّ في سياق تفسير سورة قريش التي ورد فيها كلمةْبَيْتِ
لأول مرة، وعلقنا على ذلك بما يغني عن التكرار فنكتفي بهذا التنبيه فليرجع القارئ إلى ذلك التعليق.
ولقد تعددت تخريجات المفسرين والمؤولين لكلمة (بكة) منها أنها اسم آخر