للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستعداد لقتاله إذا هاجمهم في عقر بيوتهم، وقالوا له ما دخل علينا أحد إلا غلب وما خرجنا منها إلّا أصبنا. وأشار آخرون بالخروج للقائهم وعدم الظهور بمظهر الخائف وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جنح إلى الرأي الأول بادىء الأمر غير أن أصحاب الرأي الثاني استعظموا ذلك وأخذوا يلحون على الخروج وكانت نفوسهم قوية بما كان من نصر الله لهم في بدر. ومنهم من لم يشهد بدرا ورغبوا في أن يكون لهم حظ من الجهاد والنصر مثل ما كان لمن شهد بدرا حتى مال النبي إلى هذا الرأي فدخل بيته ولبس عدّة حربه ونادى بالناس إلى الخروج وفي وجهه شيء من الاستكراه. وقد روي فيما روى أن أصحاب الرأي الثاني ندموا على الإلحاح وما شعروا به من استكراه النبي فأعادوا الأمر إليه واعتذروا له فقال لهم إنه لا يصح لنبي لبس عدّة حربه أن يخلعها قبل أن يقاتل وأكد نداءه إلى الخروج فخرجوا في نحو ألف وكان عدد أعدائهم نحو ثلاثة آلاف. وفي الطريق انسحب عبد الله بن أبي كبير المنافقين قائلا: أطاعهم وعصاني. وإني لا أرى قتالا سيقع فانسحب معه نحو ثلاثمائة أكثرهم من المنافقين أشياعه. وكاد بطنان من الخزرج قبيلته ومن المخلصين في إيمانهم أن يتأثروا بالمنسحبين وينسحبا لولا أن ثبتهما الله وهما بنو حارثة وبنو سلمة على ما جاء في حديث رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: «فينا نزلت إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما. قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما يسرني أنها لم تنزل بقول الله والله وليهما» «١» .

ومما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد. وقال لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال.

وباستثناء حديث جابر ليس شيء مما روي وأوردنا خلاصته واردا في الصحاح مع التنبيه على أن هناك أحاديث في الصحاح في صدد مشاهد أخرى من مشاهد يوم أحد على ما سوف نورده بعد. ومع التنبيه على أن بعض الروايات تتسق مع بعض الآيات وبعضها لا تتسق. فليس في الآيات ما يدل على أن المنافقين خرجوا ثم


(١) التاج، ج ٤ ص ٧٣.
الجزء السابع من التفسير الحديث ١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>