والمفسرون يروون في صدد ما جاء في مدد الملائكة المذكور في الآيتين [١٢٤- ١٢٥] أقوالا معزوة إلى بعض التابعين وتابعيهم «١» . منها أن الوعدين بالثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف كانا في يوم بدر. وأن الكلام تتمة للآية [١٢٣] التي ذكر فيها هذا اليوم. ومما يروون في صدد الوعد الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أحد رؤساء مشركي الأعراب واسمه كرز وعد قريشا بالمدد يوم بدر وأن ذلك شقّ على المسلمين فوعدهم النبي بمدد آخر من الملائكة إذا جاء هذا المدد. وقد تمت الهزيمة على قريش فلم يأت هذا المدد. ومن هذه الأقوال أن الوعد بالثلاثة الآلاف خاص ببدر والوعد بالخمسة الآلاف خاص بأحد. وقد تحقق الوعد الأول فأيّد الله المجاهدين بالملائكة. أما الوعد الثاني فلم يتحقق لأنه كان مشروطا بصبر المسلمين وتقواهم فلم يصبروا وتمّت عليهم الهزيمة.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح. وفي سورة الأنفال التي نزلت في ظروف يوم بدر ومشاهده هذه الآية إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وهذا النص ينقض الروايات التي تذكر أن الواعدين أو أحدهما كانا يوم بدر على ما هو المتبادر من اختلاف العدد. وعبارة وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا في الآية [١٢٥] تنقض بدورها الرواية التي تذكر أن وعد الخمسة آلاف كان يوم أحد وكان مشروطا على صبرهم. لأن العبارة تفيد أن الوعد كان موقوفا على أن يأتيهم العدو ثانية، ولقد روي أن قريشا بعد أن انصرفوا من أحد توقفوا في الطريق وفكروا في الكرّة على المسلمين ثانية. وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فندب الناس إلى لقائهم فاستجابوا له على ما كان فيهم من جروح وحزن من الهزيمة. وكان النبي نفسه مجروحا وساروا حتى بلغوا حمراء الأسد فوجدوا قريشا قد انصرفوا. وقد أشير إلى ذلك في آيات تأتي هي وشرحها بعد.
والذي يتبادر لنا ويلهمه نظم السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ندب المسلمين إلى الخروج بشّرهم بمدد من الملائكة في ثلاثة آلاف. فحكت الآية [١٢٤] ذلك ثم