كانوا يقاتلون معهم دون ضعف ولا استكانة دون أن يتأثروا بما أصابهم في القتال من أذى وشدّة، وأسلوبها قوي نافذ كسابقاتها. واستهدفت ما استهدفته من معالجة الحالة الروحية التي ألمّت بالمسلمين تأثرا من وقعة أحد ونتائجها.
ولقد روى الطبري أن الآية الأولى نزلت في أناس كانوا غائبين عن بدر.
فكانوا يتمنون يوما مثله فكانوا من المنهزمين يوم أحد فعوتبوا بالآية والرواية لم ترد في الصحاح. والمتبادر أن قصارى الذين كانوا غائبين عن بدر وتمنوا لو شهدوها وشهدوا غيرها أن لا يكونوا أكثر من أفراد في حين أن الخطاب عام وأن الذين انهزموا واستحقوا العتاب كانوا أكثر المشتركين في المعركة. ولذلك نتوقف في الرواية ونرى في الآية دليلا مؤيدا لما خمنّاه من أن الذين كانوا إلى جانب الخروج للقاء العدو ومتحمسين كانوا أكثر المسلمين المخلصين من مهاجرين وأنصار.
ولقد روى الطبري أن الآية الثانية هي في صدد ما كان من مواقف المسلمين حينما شاع خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال بعضهم لو كان نبيا لما قتل ودعا بعضهم إلى العودة إلى دين الآباء. ودعا بعضهم إلى أخذ الذمة من أبي سفيان قائد المشركين، ثم انهزم هؤلاء فدبّ الذعر في صفوف المسلمين فكانت الهزيمة.
والرواية لم ترد في الصحاح كذلك. وأسلوب الآية عام يتبادر منه أنها تتمة للعتاب الذي احتوته الآية الأولى للذين انهزموا.
ولقد أورد القاسمي في سياق الآية الأولى حديثا رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن أبي أوفى جاء فيه:«إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدوّ حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: أيّها الناس لا تتمنّوا إلقاء العدوّ وسلوا الله العافية فإذا لقيتموه فاصبروا، واعلموا أن الجنّة تحت ظلال السيوف. ثم قال: اللهمّ منزّل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» .
ولقد أورد الخازن في سياق جملة وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) حديثا رواه الخمسة عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّما الأعمال بالنّيات وإنما لكلّ امرئ ما