استصرخ قومه وغيرهم وأحاطوا بالمسلمين فقتلوهم جميعا عدا واحد منهم نجا من القتل لأن زعيما منهم كان نذر أن يعتق رقبة فعتقه بعد أن جزّ ناصيته، وكان وقع الحادث أليما شديدا على النبي والمسلمين.
ويتبادر لنا من نظم الآيتين أنهما جاءتا معقبتين على الآيات السابقة لهما التي حكت أقوال المنافقين وتحدتهم حيث احتوتا تطمينا للمؤمنين الأحياء وبهتا للمنافقين وإحباطا لدسهم وتحريضهم. وعبارة الآيتين مطلقة شاملة بحيث تشمل البشرى التي انطوت فيهما شهداء أحد وغيرهم وإن كانت صلتها بشهداء أحد أوكد لأن وقعة أحد هي موضوع السياق.
ومثل هذا التنويه والتسكين قد ورد في آيات سورة البقرة [١٥٥- ١٥٧] في سياق الإشارة إلى بعض حوادث الجهاد الأولى وشهدائها على ما شرحناه في مناسبتها. غير أن في التعبير هنا بعض الزيادات التنويهية والتطمينية كما أن فيها تنويها بالمخلصين الأحياء حيث اقتضت ذلك حكمة التنزيل بسبب ما ألمّ بالمسلمين من حزن ومرارة في وقعة أحد.
ولقد روى المفسرون أحاديث عديدة في سياق هذه الآيات كتفسير وتوضيح، منها حديث روي عن ابن عباس «١» : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنّ الله لما أصيب إخوانكم بأحد جعل أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنّا أننا أحياء في الجنة لئلا يزهدوا في الجنّة ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله أنا أبلغهم عنكم فأنزل الآية وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) » وهناك رواية بهذا الحديث فيها زيادة جاء فيها: «أنّ الله قال لهم هل تشتهون شيئا قالوا يا ربّ نريد أن
(١) انظر تفسير الخازن للآية وانظر أيضا تفسيرها في ابن كثير حيث روي هذا الحديث مع شيء من المغايرة. وانظر التاج ج ٤ ص ٧٦- ٧٧ حيث ورد هذا الحديث من رواية الترمذي في فصل التفسير.