من بعضهم القول البذيء في حقّ الله الذي حكته الآية على سبيل الهزؤ والجحود حتى أن أبا بكر لم يملك نفسه من أن يغضب ويلطم القائل. وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر ليطلب منهم مالا يستعين به على بعض حروبه لأنهم حلفاء المسلمين وقد أوجب ذلك عليهم في كتاب الموادعة الذي كتبه حينما حلّ في المدينة على ما ذكرناه في مناسبة سابقة فجرى ما ذكرته الرواية الأولى. وهناك رواية ثالثة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام والإيمان برسالته فقالوا له ما حكته الآية [١٨٣] .
والروايات لم ترد في الصحاح. وتقتضي أن تكون الآيات نزلت مجزّأة في حين أنها تبدو منسجمة بحيث يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة. ويتبادر لنا أن فيها تسجيلا لمشهد جدلي قام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض اليهود أو في البدء بين أبي بكر وبعض اليهود في صدد الرسالة الإسلامية وما تدعو إليه من الإنفاق في سبيل الله ووصفها ذلك بإقراض الله قرضا حسنا فحكت ما كان منهم إزاء ذلك ثم ربطت بينه وبين ما كان من آبائهم من مواقف جريا على الأسلوب القرآني الذي مرّت أمثلة منه في هذه السورة وفي سورة البقرة.
ومن الجدير بالذكر أن في الإصحاحات (١٧ و ١٨ و ١٩) من سفر الملوك الثالث في الطبعة الكاثوليكية أخبار مما أشير إليه في الآية [١٨٣] إشارة خاطفة حيث ذكر فيها خبر قتل كثيرين من أنبياء الله وخبر استشراء عبادة البعل بين بني إسرائيل برعاية ملوكهم وبخاصة برعاية آحاب ملك إسرائيل وزوجته إيزابيل وخبر مناظرة بين النبي إيليا وبين أبناء البعل وتحديه إياهم بتقريب كل منهم قربانا. فمن هبطت من السماء نار فأكلت قربانه كان هو الذي على الحق.
وخبر نزول نار من السماء وأكلها قربان النبي إيليا دون قرابين أبناء البعل، وعدم ارعواء آحاب وزوجته وجمهور بني إسرائيل عن انحرافهم الديني رغم ذلك ومطاردتهم للنبي بحيث يستحكم ردّ القرآن في اليهود ويبهتهم بما في أسفارهم من وقائع.