عبارة الآية واضحة. وفيها تقرير تنويهي بوجود فريق من أهل الكتاب يؤمنون بالله وبالقرآن كما يؤمنون بالكتب السابقة التي أنزلت على أنبيائهم إيمانا مخلصا فلا يحرفون ولا يتلاعبون ولا يبيعون آيات الله بالثمن البخس. فلهؤلاء عند الله الأجر الذي يستحقونه وهو سريع الحساب يؤدي إلى صاحب الحق حقه بدون مطل ولا إمهال.
وقد روى المفسرون روايات عديدة في مناسبة نزول هذه الآية وفيمن عنته.
منها أنها نزلت في النجاشي ملك الحبشة ومن آمن من قومه بالرسالة النبوية. فإن النبي لما بلغه موت النجاشي دعا إلى الصلاة عليه فقال المنافقون إنه يصلي على رجل من غير دينه فنزلت. ومنها أنها نزلت في عبد الله بن سلام أحد أحبار اليهود وغيره من أفراد اليهود الذين آمنوا بالرسالة المحمدية. ومنها أنها نزلت فيمن آمن بهذه الرسالة من أهل الكتاب عامة «١» .
والروايات لم ترد في الصحاح. والآية على كل حال تحتوي تقرير حقيقة واقعية تكررت الإشارة إليها في الآيات المكية والمدنية وهي إيمان وتصديق أشخاص عديدين من أهل الكتاب نصارى ويهود برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واندماجهم في الإسلام وإخلاصهم كل الإخلاص. وقد أوردنا نصوص الآيات في مناسبات سابقة.
ويتبادر لنا أن الآية استهدفت مع تقرير تلك الحقيقة الاستدراك على ما جاء في الآيتين [١٨٦- ١٨٧] من تنديد بأهل الكتاب الذين يناوئون الدعوة النبوية ويؤذون المسلمين ويكتمون ما عندهم من بينات الله وينبذون بذلك الميثاق الذي أخذه عليهم بيان ما في كتبهم ثم تنبيه المسلمين العرب المتسائلين تساؤل العجب الذي أشرنا إليه في مناسبة الآية السابقة إلى كونهم ليسوا وحدهم الذين آمنوا وصدقوا واستجابوا وإن من أهل الكتاب من فعل مثلهم، وإن من شأن ذلك أن يبعث فيهم السكينة والثبات والصبر في إسلامهم ومواقفهم والأمل في انتشار دين الله وفي تمكّنهم في الأرض ويجعلهم لا ينخدعون بما يرونه من قوة الكفار
(١) انظر تفسير الآية في الطبري والطبرسي والخازن وابن كثير.