للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتنديد بالمنفضين عنها أو المهملين فيها. وهذا المعنى يكون صحيحا وحاسما إذا صحّ ترجيحنا بأن الآيتين الأولى والثانية نزلتا مع الآية الثالثة دفعة واحدة وهو ما نرجوه.

وهناك روايات وآثار تؤيد ذلك حيث روى ابن هشام عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في قباء حينما جاء من مكة مهاجرا فأقام فيها أياما وأن صلاة الجمعة أدركته في بني سالم بن عوف فصلّاها في مسجدهم الذي أسّسه لهم في بطن وادي رانوناء فكانت أول جمعة صلّاها بالمدينة «١» . وهذه الرواية تدل على أن صلاة الجمعة كانت تقام في مكة أيضا قبل الهجرة. وقد يؤيد هذا حديث رواه أبو داود وابن حبان والبيهقي والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن مالك وكان يقود أباه بعد ذهاب بصره قال: «كان أبي إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحّم لأسعد بن زرارة فسألته عن ذلك فقال لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة قلت كم أنتم يومئذ؟ قال أربعون» «٢» . وأسعد بن زرارة هو أحد زعماء الأوس الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وتعاقدوا معه. ولا ريب أنه تلقى واجب صلاة الجمعة عنه كما تلقى عنه واجبات الإسلام الأخرى ...

ولقد روي فيما روي «٣» أن أهل يثرب رأوا أن يتخذوا لهم يوما يجتمعون فيه كما كان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد فاختاروا يوم الجمعة. كما روي «٤» أن كعب بن لؤي رتّب أو سنّ اجتماعات عامة تقوم في هذا اليوم وبدّل اسمه من (العروبة) إلى يوم الجمعة. والمتبادر أن اسم اليوم وما توخّي منه أعمّ من نطاق يثرب وأقدم. وأن للاسم دلالة ظاهرة على معناه. وأن لرواية سنة كعب وتغييره اسم اليوم من العروبة إلى الجمعة أصلا وحقيقة مع ترجيحنا أن يكون الاجتماع المسنون ذا صبغة أو غاية دينية طقسية واجتماعية معا. وقد تكون فكرة


(١) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١١١- ١١٢.
(٢) التاج، ج ١ ص ٢٤٧- ٢٤٨ ومعنى جمع بنا صلّى بنا صلاة الجمعة.
(٣) تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي ج ٥ ص ٢٤٦.
(٤) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>