صفوف الأعداء. فسعى بين اليهود والأحزاب حتى أوجد شكا في كل من الطرفين نحو الآخر ثم ثارت زوبعة شديدة أزعجت الأحزاب إزعاجا شديدا فاشتدّ فيهم السأم والفتور وألقى الله في قلوبهم الرعب فلم يلبث أبو سفيان أن قرر الارتحال فارتحل وارتحل معه القرشيون والمكيون ثم ارتحل برحيلهم بقية الأحزاب من القبائل. وهكذا ردّهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال. وكانت الوقعة في شهر شوال للسنة الهجرية الخامسة.
وظاهر أن الآيات لا تحتوي إلّا القليل مما جاء في الروايات. ومع ما تتحمله هذه الروايات من بعض الملاحظات فإن ما جاء في الآيات متسق معها إجمالا.
ولقد احتوت الآيات وصفا لآثار الزحف في صفوف المسلمين وحملة تقريع شديدة على المنافقين، ولمواقف النبي صلى الله عليه وسلم والمخلصين من المؤمنين بأسلوب قوي يفوق في روعته ما جاء في الروايات. وفيه شيء من التماثل في المعالجة والتقرير والتنديد والتلقين لما في الآيات الواردة في سورة آل عمران في صدد وقعة أحد.
والمستفاد منها:
١- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قطب الرحى في الموقف وعموده الراسخ الثابت الذي لم يتزلزل مما ينطوي خاصة في الآية [٢١] التي دعت المسلمين ليكون لهم منه الأسوة الحسنة.
٢- أن اضطرابا شديدا ألمّ بالمسلمين بسبب كثرة الغزاة وقوّة جهازهم وموقف اليهود الغادر الذين كانوا من ورائهم. ثم تميزوا فالفئة المخلصة الصادقة التفّت حول النبي وأيدته وأظهرت استعدادها التام للدفاع والقتال واعتبرت الزحف اختيارا ربانيا من نوع ما أخبرهم الله به واعتزمت على الصدق والثبات وازدادت إيمانا وتسليما له فكانت موضع ثناء الله وتنويهه العظيمين في الآيات [٢٢- ٢٣] أما المنافقون ومرضى القلوب فلم يتورعوا من التظاهر بالكفر والجحود وإساءة الأدب مع الله ورسوله في مثل قولهم ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢) والتثبيط