التنزيل أن لا يكون هذا سائغا لنساء النبيّ بسبب ما صار لهن من شرف وكرامة فأوحى الله بهذه الآيات لحلّ المشكلة على النحو الذي شرحناه. ولعل النبي أراد أن يطلق الزائدات منهن تقيدا بالتحديد القرآني كما فعل المسلمون فكان هذا مما أزعج أمهات المؤمنين وأحزنهن لما سوف يكون من أمر المطلقات منهن وقد حرموا من استمرار شرف النسبة إلى النبي وانسدّ عليهم باب الحياة الزوجية وفقدوا السند والكفيل فاحتوت الآية الأولى ما احتوته من إباحة احتفاظ النبي صلى الله عليه وسلم بهن جميعا.
كذلك يتبادر لنا من روح الآية الثانية وصلتها بالأولى حتى كأنما هي استمرار لها أنها في صدد التحديد بأسلوب خاص وأنها احتوت شبه إيعاز للنبيّ بالاكتفاء بمعاشرة أربع من نسائه معاشرة جنسية في وقت واحد وإرجاء الأخريات بدون تعيين مع إعطائه حقّ معاشرة إحدى المرجئات تطييبا لنفسها وإزالة لحزنها من الهجر على أن يرجىء واحدة من اللائي كان يعاشرهن وهكذا دواليك. والفقرة الأخيرة من هذه الآية مما يصحّ أن يكون قرينة على ذلك. ولقد روى الزمخشري في كشّافه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد عاشر بعد هذه الآيات أربعا فقط من نسائه وهن: عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة رضي الله عنهن.
وروى الطبري أن النبي آوى أربعا وأرجأ خمسا بدون أسماء. والروايات لم ترد في الصحاح. ونصّ الآية يجعل النبي في الخيار في الإرجاء والإيواء ومعاودة الإيواء لمن أرجأ. بحيث يسوغ التوقف في هذه الروايات والقول إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا بدّ من أنه طبق الآية نصا وروحا والله أعلم.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن رزين أنه لما نزلت آية التخيير أشفقت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقهن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا. والذي نرجحه أن هذا كان منهن كما خمّنا حين نزلت آية تحديد العدد وفكر النبيّ في تطليق الزائد عن العدد وأن في الرواية لبسا، لأن ظرف التخيير انقضى في موقف آخر باختيار نساء النبي البقاء في عصمته كما شرحناه في الجزء السابع من التفسير الحديث ٢٦