فكل من تجرد عما سوى الله وحده وتحرر من الخضوع لغيره وأسلم وجهه ونفسه وانقاد له ولزم حدوده فهو مسلم. وفي هذا المعنى من الروعة والنفوذ والعمق في مجال توحيد الله والإخلاص له والتفاني فيه، وتحرر النفس من غيره ما هو واضح، وما يثير في أتباع محمد صلى الله عليه وسلّم الاعتزاز بهذا المعنى للإسلام الذي أصبح علما عليهم منذ العهد النبوي إلى أبد الآبدين.
أما علمية كلمة (المسلمين) عليهم فقد تقررت فيما نعتقد بعد نزول آية الحج هذه: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨) . وهذه السورة مختلف في مكيتها ومدنيتها ولكن مضامينها تلهم بقوة أنها مكية أضيف إليها آيات مدنية، اقتضت إضافتها المناسبات على ما سوف نشرحه عند تفسيرها، وهذه الآية هي من الآيات المكية على ما يلهم سياقها، وهذا يعني- إذا صح- أن العلمية تقررت في العهد المكي، ثم جاءت آية سورة المائدة المدنية الثالثة التي جاء فيها: ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ... لتكون علما على دين المسلمين.