وينطوي في الأحاديث تلقين نبوي متساوق مع التلقين القرآني في واجب العدل بين الناس كما ينطوي في الآية والأحاديث تقرير كون ذلك مبدأ محكما من مبادئ الدين الإسلامي الذي يجب على المسلمين وقضاتهم وأمرائهم الالتزام به.
والآية احتوت أمرا آخر وهو أداء الأمانات إلى أهلها. ولقد علقنا على موضوع الأمانة وخطورتها في كتاب الله وسنة رسوله وأوردنا طائفة من الآيات والأحاديث في ذلك في سياق تفسير الآيات الأولى من سورة (المؤمنون) فلا نرى ضرورة للتكرار ويحسن مراجعة ذلك حين قراءة هذا التعليق لتكون الصورة بارزة للقارىء.
على أن بعض الأئمة نبهوا على معان خاصة في الجملة الواردة في الآية في ذلك. وفي تفسير القاسمي نبذة عن الإمام ابن تيمية خلاصتها أن أداء الأمانات نوعان أحدهما تولية أمور المسلمين إلى أهلها الأصلح لها فإن ذلك أمانة في عنق المسلمين وأولياء أمورهم. وأورد حديثا وصفه بالصحيح أخرجه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من ولي من أمر المسلمين شيئا فولّى رجلا يجد من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» وحديثا آخر رواه البخاري أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا ضيعت الأمانة فانتظر قيام الساعة. قيل يا رسول الله وما إضاعتها قال إذا وسّد الأمر إلى غير أهله» وأما ثاني نوعي أداء الأمانات فهو أداء المسلم ما اؤتمن عليه من مال وودائع ورهن إلخ. وأورد في صدد ذلك أحاديث أوردناها في تعليقنا على آيات سورة (المؤمنون) .
وفي تفسير رشيد رضا نبذة طويلة أيضا في صدد هذه الجملة جاء فيها فيما جاء أن أداء الأمانة يشمل بالإضافة إلى أداء المسلم ما اؤتمن عليه العلماء الذين يكون العلم فيهم بمثابة أمانة يجب عليهم أداؤها بما يفيد الناس. وبالأسلوب المفيد بحيث يكون مخالفة هذا وذاك خيانة للأمانة. وأورد في صدد ذلك الآية [١٨٧] من سورة آل عمران التي تندد بالذين يكتمون ما أوتوا من علم وينبذونه وراء ظهورهم ويشترون به ثمنا قليلا. ويشمل كذلك حفظ الأسرار التي يؤتمن المسلم عليها. ويشمل أمانة المسلم في معاملته مع غيره بصدق وإخلاص وحسن