الأولى رواية تفيد أن بعض كبار المسلمين وأقويائهم مثل عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بمقابلة أذية المشركين لهم وللمسلمين بالمثل وقالوا له لقد كنّا ونحن مشركون في عزّ ونكون الآن في ذلّ إذا رضينا بما يفعله فينا المشركون ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لهم لأن الله لم يكن قد أذن بذلك وأمرهم بالصبر والمثابرة على ما كتب الله عليهم من صلاة وزكاة. فلما فرض القتال على المسلمين بعد الهجرة وأذن لهم بقتال أعدائهم وأخذ النبي يدعوهم إلى ذلك ارتاع بعض المستأذنين وبدا منهم ما حكته الآيات. ومن الذين رووا هذه الرواية من روى أن الاستئذان وقع من أصحاب رسول الله الأولين وأن الاعتراض بدا من المنافقين. ومنهم من روى أن الاعتراض وقع حين نزول فرض الجهاد ثم تاب المعترضون وصاروا يستجيبون لدعوة النبي إلى الجهاد بإخلاص باستثناء المنافقين. وهناك رواية يرويها المفسرون تذكر أن الآية نزلت في اليهود الذين فعلوا في سابق تاريخهم ما حكته الآيات تحذيرا للمسلمين من أن يصنعوا صنيعهم. وقد رووا «١» في صدد الآية الثانية أن الفقرة الأولى منها نزلت ردا على المنافقين الذين قالوا إنه لو لم يخرج الذين قتلوا في وقعة أحد إلى القتال لما قتلوا وأن الفقرة الثانية منها حكاية لقول اليهود والمنافقين بأن النبي منذ قدم إلى المدينة جلب عليها وعلى أهلها المصائب لما كان من سوء المواسم وقلة الخصب ثم حكاية لقولهم إن نصر بدر كان من تيسير الله وفضله وإن هزيمة أحد كانت بسبب سوء تدبير النبي صلى الله عليه وسلم.
وليس شيئا من هذه الروايات واردا في الصحاح. والذي يتبادر لنا وتلهمه الآيات مضمونا وروحا أنها وحدة منسجمة لا تتحمل هذا التقطيع والتفاوت في الفترات الذي يفيده تعدد الروايات وتباعد ظروفها وأن الآيات مع سابقاتها ولا حقاتها سياق واحد. وأن ما فيها من حكاية الفزع والارتياع من فرض الجهاد متصلة بالدعوة الواردة في الآيات السابقة. وأن ذلك إنما كان من المنافقين