ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون لمعنى جملة حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ منها «١» أنها بمعنى الهجرة والانتقال إل المدينة والالتحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أنها تعني طاعة الله ورسوله والإخلاص لهما. والتضامن مع النبي والمسلمين. وروح الآية تتحمل هذه التأويلات. غير أن ظروف السيرة النبوية وانصباب الكلام والتنديد على المنافقين يجعل المعنى الأخير هو الأكثر ورودا، والله أعلم.
وبدء الآيات بحرف الفاء الذي فيه معنى التعقيب على ما سبق وذكر مواقف التثبيط والتبطيء والمراوغة والاعتراض على القتال في السياق السابق يجعل الصلة قائمة بين هذه الآيات والآيات السابقة. وأصحاب تلك المواقف هم منافقو المدينة بحيث يمكن أن يكون في هذا تأييد لحديث زيد. غير أننا مع ذلك نتوقف أن تكون الآيات نزلت في أمر وقعة أحد لأننا لا نرى مناسبة لذلك في هذا السياق. وقد ورد تفصيل ما جرى في هذه الوقعة في سورة آل عمران وندد فيها بالمنافقين تنديدا شديدا. ونرجح أنها في صدد مواقفهم المحكية في السياق السابق، وإن في الحديث التباسا أو تطبيقا والله أعلم.
ولقد رأينا القاسمي يستشكل أن يكون المقصودون منافقي المدينة من ناحية أنهم كانوا بين المسلمين فلا يكون محل للقول فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ولسنا نرى إشكالا ونرى أن العبارة يمكن أن تصدق على منافقي المدينة ولا سيما إذا أخذ بتأويل جملة حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بمعنى حتى يطيعوا الله ورسوله ويتضامنوا مع المسلمين. والله تعالى أعلم.
لقد جاءت الآيات حاسمة لاختلاف المسلمين في منافقي المدينة حيث أمرتهم إذا ظلوا على موقفهم وإعراضهم عن الجهاد في سبيل الله والإخلاص في طاعة الله ورسوله بأن يقتلوهم حيث وجدوهم ولا يتخذوا منهم وليا ولا نصيرا.