للرواية التي ذكر فيها أبو الدرداء في مناسبة نزول الآية التي تأتي بعد هذه الآيات.
ويلحظ أن الروايات تجعل الآيتين منفصلتين وتفيد نزول كل منهما في مناسبة وظرف غير مناسبة وظرف نزول الأخرى. في حين أنهما كما يبدو من أسلوبهما وحدة منسجمة تسوغ القول إنهما نزلتا معا. ولقد بينت الآيات السابقة حكم غير المسلمين في مواقفهم من المسلمين ومواقف المسلمين منهم، وبينت هاتان الآيتان حكم قتل المؤمن للمؤمن مما فيه تناسب ما. وقد تكون الآيتان نزلتا بعد سابقاتهما فوضعتا في مكانهما بسبب التناسب الموضوعي والظرفي أو تكونان نزلتا في ظرف آخر فوضعتا مكانهما بسبب التناسب الموضوعي. وهذا لا يمنع بطبيعة الحال أن يكون وقع أحداث مماثلة لبعض ما روي في الروايات فتليت الآيات لبيان الحكم، فالتبس الأمر على الرواة والله تعالى أعلم.
ويلحظ أن الآية [٩٢] اقتصرت على الإنذار القاصم الأخروي للمؤمن الذي يقتل مؤمنا عمدا دون تعيين عقاب دنيوي. ويمكن أن يقال إن روح الآيتين تلهم أن هدفهما الرئيسي هو تعظيم دم المؤمن على المؤمن والتشديد فيه حتى ولو كان خطأ ثم تغليظ إثمه وجريمته بالإنذار الرهيب إذا كان عمدا والذي هو على سمع المؤمن ونفسه أشدّ وقعا وأكثر هولا فاقتضت حكمة التنزيل الاقتصار عليه في هذا المقام توكيدا لذلك الهدف والاكتفاء بتشريع قتل الخطأ الذي يعفو الله عنه إذا أدى فاعله الدية وتقدم إلى الله بالتوبة والكفارة.
وواضح أن هذا يظل تلقينا مستمر المدى بوجوب احترام المؤمن لدم أخيه وشدة احترازه من سفكه ولو خطأ فضلا عن العمد.
ولقد رويت أحاديث نبوية عديدة في تعظيم دم المؤمن على المؤمن وعظم إثم قتله. منها حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله جاء فيه «قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء وفي رواية أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء»«١» . وحديث ثان