يكونان فصلا جديدا متصلا بالآيات التالية لهما. وفيهما على كل حال صورة من صور العهد النبوي في المدينة من حيث إنه كان هناك مرضى نفوس ومخامرون يعقدون المجالس السرية للمكايدة والمشاقّة. ومن هنا يكون بين الآيتين والآيات السابقة تناسب قد يكون سبب وضعهما في مكانهما إذا لم يصح ما ذكره المفسرون من صلتهما بحادث ابن أبيرق وصحّ ما ذكرناه من صلتهما بالآيات التالية.
وفي الآيتين تلقينات جليلة مستمرة المدى حيث انطوى فيهما قصد تهذيب أخلاق المسلمين وتنقية قلوبهم وتوجيههم في وجهة الحق والبرّ والمعروف والإصلاح في سرّهم وعلنهم وفي اجتماعاتهم الخاصة والعامة. وتجنيبهم مواقف المكايدة والانشقاق والانحراف التي لا يجوز للمسلم أن يتورط فيها. وتنبيههم إلى ما في الاجتماعات السرية من شبهة التآمر والكيد ووجوب مراقبة الله فيها. وتقبيح الشذوذ عن السبيل القويم والرأي الحقّ الذي يكون عليه المسلمون والذي يكون في نطاق أوامر الله ورسوله ونواهيهما وتلقيناتهما.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية الأولى بعض أحاديث نبوية. منها حديث رواه ابن مردويه والترمذي وابن ماجه عن محمد بن يزيد قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح ردّده عليّ فقال حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام ابن آدم كلّه عليه إلّا ذكر الله عزّ وجلّ أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فقال سفيان أو ما سمعت الله في كتابه يقول لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فهذا هو»«١» ومنها حديث أخرجه الحافظ البزار عن أنس قال «قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب ألا أدلّك على تجارة قال بلى يا رسول الله قال تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا» وفي الأحاديث تساوق تلقيني مع الآية كما هو واضح.
وهناك أحاديث يصحّ أن تساق أيضا في صدد ما انطوى في الآية الثانية من
(١) الشطر الأول من الحديث ورد في التاج برواية الترمذي، انظر ج ٥ ص ١٦٧.