التالية للأولى واللتين رواهما الشيخان والترمذي «١» فليس شيء من الروايات واردا في الصحاح. والروايات والأحاديث الصحيحة متساوقة إجمالا مع فحوى الآيات ولكنها لا تفسر كل ما فيها على ما هو المتبادر. وعلى كل حال ففي الآيات على ضوء الأحاديث والروايات صور لما كان من مواقف كانت تصدر من بعض الرجال إزاء الأيتام من بنين وبنات وإزاء الزوجات بدون مراعاة لما نبهت عليه آيات سابقة في السورة هي الآيات [٢ و ٣ و ٦ و ١١- ١٤ و ١٩- ٢١] فاقتضت حكمة التنزيل توكيد ذلك في الآيات التي نرجح أنها نزلت جميعها معا محل الأمور العارضة.
ولقد قال بعضهم إن جملة ما كُتِبَ لَهُنَّ تشمل الصداق والإرث معا حيث كانوا يتزوجون اليتيمات بدون صداق ولا يؤتونهن إرثهن وهذا وجيه سديد.
ولقد احتوت الآيات الثانية والثالثة والرابعة تنظيما للعلاقة الزوجية في بعض حالاتها كما هو واضح. ولقد احتوت آيات السورة [٣٤ و ٣٥] معالجة حالة نشوز الزوجة فجاءت هذه الآيات لمعالجة حالة نشوز الزوج. وفيها تشجيع على إقامة صلح بين الزوجين ولو بشيء من التضحية والتغلّب بذلك على طبقة شح النفس تفاديا من الطلاق وتنبه على أن لا يلجأ إليه إلّا في حالة تعذر استمرار الحياة الزوجية بصورة ما. وهذا متسق مع التلقينات التي تضمنتها آيات البقرة [٢٢٤- ٢٣٢] والنساء [١٩- ٢١ و ٣٥] .
ويتبادر أن الآيات الثلاث متصلة بشكل ما بموضوع الآية الثالثة من هذه السورة التي تضمنت إباحة جمع الرجل في عصمته زوجتين وثلاثا وأربعا ثم حذرته من عدم العدل وأمرته بالاكتفاء بواحدة تفاديا من الظلم فجاءت الآيات الثلاث توضح ما حذرت منه وتقرر تعذره. ولكنها لا تمنع التعدد بالمرة لما قد يكون هناك من ضرورة ملزمة إليه وتوصي بعدم الميل الشديد إلى الواحدة دون الأخرى في حالة تلك الضرورة الملزمة إلى التعدد والتي شرحنا بعض وجوهها في سياق شرح
(١) الرواية الأولى رواها الشيخان عن عائشة كما جاء في التاج ج ٤ ص ٨٨ والثانية رواها الترمذي كما جاء في نفس المصدر.